مُذكَّرَةٌ في طلَبِ العلمِ
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال: شيخنا الفاضل .. نرجو منك أن تكتب لنا مذكرةً في طريقة طلب العلم ـ العقيدة والفقه ـ وكيفية البداية فيها، وأسماء الكتب التي تنصحنا بها وفق التدرج الذي تراه مناسباً للمبتدئين، حتى للمتقدمين في طلب العلم .. وفقكم الله لكل خير، وبارك لكم في عمركم ..؟
الجواب: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وبعد، فقد وردني نحو هذا السؤال الهام أسئلة عديدة ومن أطراف عدة يسألونني فيها عن المنهج والطريقة التي يطلبون فيها العلم، والكتب التي يعتمدونها في مرحلة الطلب، وعن صفة أهل العلم الذين يقرؤون لهم ويعتمدون كتبهم .. وغير ذلك مما يتعلق بمنهج طلب العلم .. وأن أكتب لهم في ذلك أوراقاً ..!
فأجيبهم ـ مستعيناً بالله تعالى ومتوكلاً عليه، راجياً منه تعالى السداد والتوفيق ـ فأقول: هذا سؤال كبير قد أجيب عليه في مصنفات عدة .. أختصر الإجابة عنه في النقاط التالية:
أولاً: أهمية وفضل طلب العلم: كتمهيدٍ بين يدي البحث والجواب لا بد أولاً من أن يدرك طالب العلم فضل المسير في طريق طلب العلم وتحصيله .. وأهمية ما يقوم به من طلب إن كان قد بدأ المسير .. أو ما هو قادم عليه من طلب العلم إن لم يكن قد بدأ المسير!
ونريد بالعلم هنا:" قال الله .. قال رسوله .. قال الصحابة .. قال التابعون لهم بإحسانٍ ". فهذا النوع من العلم هو العلم .. وهو أشرف وأفضل وأجل العلوم وأوكدها .. وما سواه من العلوم فهو عالة عليه وتابع له ..!
والسالك في هذا الطريق؛ طريق طلب العلم .. سالك في طريق مبارك يحبه الله ورسوله .. ويوصل صاحبه إلى مجدي الدنيا والآخرة ..!
قال رسول الله r:" من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهلَ اللهُ له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رِضاً بما يصنع "[[1]].
وعن صفوان بن عسَّال المرادي، قال: أتيتُ النبيَّ r وهو في المسجد متكئ على بُردةٍ له أحمر، فقلت له: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم، فقال:" مرحباً بطالب العلم؛ إن طالب العلم تحفُّه الملائكةُ بأجنحتها، ثم يركبُ بعضُهم بعضاً حتى يبلغوا السماءَ الدنيا من محبتهم لما يطلب "[[2]].
وقال r:" من يُرد الله به خيراً، يُفقهه في الدين " متفق عليه. والخير الوارد في الحديث يُراد به خيري الدنيا والآخرة.
وقال r:" من غدا إلى المسجد لا يُريدُ إلا أن يتعلمَ خيراً أو يُعلِّمه كان له كأجر حاجٍّ تاماً حجَّتُه "[[3]].
وقال r:" أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه " البخاري. وهذا الفضل يتفاضل بين من يتعلم القرآن ويعلمه على قدر عملهم والتزامهم بما يتعلمونه ويُعلمونه من القرآن.
وفي فضل العالم العامل على من سواه .. قال رسول الله r:" فضل العالِمِ على العابد كفضل القمرِ ليلةَ البدر على سائر الكواكب "[[4]].
وعن أبي الدرداء، قال: سمعتُ رسول الله r يقول:" إن العالم ليستغفرُ له مَن في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء؛ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ "[[5]].
وعن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله r:" فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم . إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها، وحتى الحوت ليُصلون على معلمي الناس الخير "[[6]].
ومن بركات طريق طلب العلم أن أجر معلمي الناس الخير ليس مقصوراً على حياتهم وحسب، بل يمتد إلى ما بعد موتهم، وعلى امتداد الأجيال والزمن الذي يستفيد فيه الناس مما نشروه من علم نافع .. كما في الحديث عن النبي r قال:" إن مما يلحقُ المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علمه ونشرَهُ "[[7]].
وأهمية طلب العلم تأتي من جهات عدة:
منها: أن شرف العلم يأتي من جهة شرف المعلوم؛ حيث أنه يُعرِّف صاحبه على خالقه I .. وعلى خصائصه وصفاته .. وعلى حقه على عباده .. لذا فإن العالم العارف بالله تعالى يكون أكثر خشية لله U من غيره ممن هم أقل منه علماً بالله تعالى، كما في قوله تعالى:) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (فاطر:28. فالعلم والخشية كل منهما لازم وملزوم للآخر؛ فمن كان عالماً بالله تعالى كان خاشياً له I، ومن كان خاشياً الله فهو عالم بالله تعالى وعلى قدر خشيته، ومن انتفت عنه الخشية من الله انتفت عنه لزاماً صفة العالم، لذا عرَّف بعض أهل العلم " العلمَ " استناداً لما تقدم: بأنه الخشية ..!
ومنها: أن العلم ـ في كل شيء ـ يتقدم العمل .. فلا عمل من دون علم .. فالجاهل لا يمكن أن يعمل شيئاً هو يجهله .. فجاهل الشيء كفاقده لا يمكن أن يُعطيه.
ولو عمل شيئاً فإن عمله لا يُقبل حتى يعلم أن الذي يقوم به من عمل هو مما أمر الله تعالى به، وسنه نبيه r ..!
ومنها: أن العلم نور ومنجاة ينجي صاحبه ـ بإذن الله تعالى ـ من الوقوع في ظلمة المخالفة، كما أنه يحمي صاحبه من غزو شياطين الإنس والجن، حيث لا تخفى عليه سبل الشر والباطل .. وسبيل المجرمين .. فلا تضره بإذن الله فتنة!
بخلاف الجاهل فإنه سهل الغزو والمنال .. سهل أن يقع في شباك وشراك شياطين الإنس والجن .. وهو لا تؤمن عليه الفتنة؛ حيث ما من فتنة تواجهه إلا وتطرحه أرضاً لفقدانه المناعة والقوة على المواجهة والتحدي .. وعلى التمييز ـ في كثير من الأحيان ـ بين الحق والباطل .. وبين الخطأ والصواب!
ثانياً: الإخلاص في طلب العلم: هذه جزئية هامة لا بد من التوكيد عليها قبل الخوض في الجزئيات الأخرى من عملية الطلب؛ حيث أن عملية طلب العلم كلها مرتبطة بها، لا يصح ولا يُقبل شيء منها إلا بعد تحققها وانعقادها في القلب أولاً .. فإخلاص العمل لله تعالى شرط لقبول أي عملٍ تعبدي يقوم به الإنسان نحو ربه U!
قال تعالى:) فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف:110.
وصفة الإخلاص في طلب العلم: تكون بانعقاد النية الصادقة في القلب على أن يكون الغرض من طلب العلم ابتغاء مرضاة الله تعالى، والقيام بالواجبات الشرعية الخاصة والعامة على الوجه الذي شرعه الله تعالى وأمر به .. وهو الوجه الذي يُرضيه .. والعمل على إعلاء كلمته I ونشر تعاليم دينه في الأرض.
فهو إذ يطلب العلم لا يطلبه سمعة ورياء حتى يُقال عنه عالم .. أو صاحب شهادة عليا في العلوم الشرعية .. ولا طلباً للشرف أو الرياسة ليتصدر به المجالس .. ولا طلباً لكرسي يجلس عليه بجوار الطواغيت الظالمين .. ولا طلباً من أجل المال وحطام الدنيا .. ولا من أجل أن يصرف إليه وجوه الناس ..!!
فأيما امرئٍ يطلب العلم وتشوب نيته شيء من ذلك فعمله مردود، وعبادته لا تقبل، وطلبه للعلم وبار عليه وشقاء ..!
قال رسول الله r:" من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيبَ به عرضاً من الدنيا، لم يجد عَرْفَ الجنة يومَ القيامة " يعني ريحها[[9]].
وقال r:" لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، أو تماروا به السفهاء، ولا تخيَّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار "[[10]].
وقال r:" من ابتغى العلم ليُباهي به العلماء، أو يُماري به السفهاءَ، أو تُقبل أفئدة الناس إليه، فإلى النار "[[11]]. وفي رواية:" أو ليصرف وجوه الناس إليه، فهو في النار ".
ومن حديث أبي هريرة، عن النبي r قال:" ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلمَ وعلمتُه، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ ليُقال: عالمٌ، وقرأت القرآن ليُقال:
هو قارئ، فقد قيل، ثمَّ أُمِرَ به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار " مسلم.
وعن عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله:" يظهر الإسلام حتى تختلفَ التجارُ في
البحر، وحتى تخوض الخيلُ في سبيل الله، ثم يظهر قومٌ يقرؤون القرآن، يقولون: من أقرأ منَّا؟ من أعلم منَّا؟ من أفقه منا؟! ثم قال لأصحابه: هل في أولئك من خير؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:" أولئك منكم من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار "[[12]]. نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.
فإن قيل: فما بال الثناء الحسن الذي يوضع للعالم في الأرض ..؟
أقول: هذه عاجلة بشرى خير له .. له أن يُسرّ بها .. ويحمد الله عليها .. ولكن ليس له أن يطلبها ويبحث عنها، أو تكون هي مقصده من العمل أو الطلب للعلم .. إن فقدها في مرحلة من المراحل توقف عن الطلب أو العمل .. وانتكس على أعقابه!!
فهو يسير إلى الله .. ويعقد النية خالصة لوجه الله تعالى .. وهو في الطريق قد يمن الله عليه بكثير من خير الدنيا ورفعتها .. وقد يحصل له من القبول والشرف، والعزة، والثناء الحسن على ألسنة الصالحين مالا يحصل لكثير من السلاطين والأمراء .. فله أن يُسرّ بذلك ويشكر الله تعالى على نعمائه .. لكن لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يستشرف ذلك بالعلم الذي تعلمه .. ويسأل عنه .. أو يطلبه .. أو يحرص عليه .. أو يكون هو همه وقصده من وراء طلب العلم!
يوجد فرق بين الرزق الذي يُساق إليك من غير سؤال ولا استشراف، ولا حرص .. وبين الرزق الذي يُسعى إليه عن طريق الاستشراف، والتشوّف، والسؤال .. فالأول جائز .. وهو رزق ساقه الله إليك .. فاحمد الله عليه، والثاني لا يجوز لنهي الشارع عن ذلك.
قال رسول الله r:" بشِّر هذه الأمة بالتيسير، والسناء، والرفعة بالدين، والتمكين في البلاد، والنصر " هذا سيحصل، لكن " فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب "[[13]]. فالحذر الحذر ..!
وقال r:" من كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة " فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده جزاء إخلاصهم ونيتهم الصادقة.
وفي رواية عن أنسٍٍ t قال: قال رسول الله r:" من كانت الدنيا هِمَّتَه وسَدَمَه ـ أي مولوع بها، يلهج لها ـ ولها شَخَصٌ، وإياها ينوي؛ جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه ضيعتَه، ولم يأتهِ منها إلا ما كُتب له منها. ومن كانت الآخرة هِمَّتَه وسدَمه، ولها شخَص، وإياها ينوي؛ جعل الله U الغنى في قلبه، وجمع عليه ضيعته، وأتته الدنيا وهي صاغرة "[[14]].
أقول: إخلاص العمل لله تعالى .. ومتابعة النية ومراقبتها في جميع مراحل الطلب وما بعد الطلب .. وقبل كل عمل .. هي أكبر عقبة تواجه طالب العلم الصادق .. لا يسلم منها إلا من سلّمه الله وعافاه .. وبخاصة في هذا الزمان الذي رقَّ فيه الدين .. وقلّ فيه المربون الصالحون .. وكثر طلب الدنيا بعمل الآخرة .. نسأل الله تعالى السلامة .. والإخلاص في القول والعمل، ما ظهر منه وما بطن .. وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .. إنه تعالى سميع قريب مجيب، وهو القادر على ذلك.
عن سفيان الثوري، أنه كان يقول:" ما عالجتُ شيئاً أشدَّ عليَّ من نيتي؛ لأنها تتقلب علي ".
وعن يوسف بن أسباط، قال:" تخليص النيَّة من فسادها أشدُّ على العاملين من طول الاجتهاد " أي الاجتهاد في الطاعة والعبادة.
ثالثاً: ميزان لضبط طلب العلم: لابد لطالب العلم ابتداء ـ وهو يمر في جميع مراحل الطلب ـ من ميزان يزن به الأمور، ويضبط به عملية الطلب.
فهو سيقف على كتب وأبحاث، وسيسمع لعلماء وشيوخ .. ولا بد أنه سيقف على أقوال متغايرة متضاربة .. ومختلفة .. فما هو الضابط أو الميزان الذي يزن به جميع ما يقرأه أو يسمعه .. ومن ثم على أساسه يقوم بعملية الترجيح بين الراجح والمرجوح .. وبين الخطأ والصواب؟
الجواب على هذا السؤال الهام هو: الكتاب والسنة، على فهم السلف الصالح.
هذا هو الميزان الصحيح .. الذي ينبغي أن تُرد إليه جميع الأقوال والأفهام .. والذي يجب على كل طالب علم أن يتسلح به، فإن أشكل عليه قول أو موقف، أو اجتهاد رده إلى الكتاب والسنة ليحدد مدى قرب هذا القول أو الاجتهاد من الحق أو الباطل.
قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59.
والرد إلى الله ورسوله بعد وفاة الرسول r يكون بالرد إلى الكتاب والسنة .. والله تعالى إذ يأمرنا بالرد إلى الكتاب والسنة عند حصول أي نزاع أو خلاف مهما دقّ أو عظم .. فهذا من لوازمه أن في الكتاب والسنة جواب شافٍ، وحل شامل لكل نزاع أو خلاف يحصل .. علم ذلك من علم وجهل ذلك من جهل .. فحاشاه تعالى أن يأمرنا برد النزاع إلى الكتاب والسنة ثم لا نجد فيهما جواباً وحلاً لما تم فيه النزاع أو الخلاف ..!
وفي الحديث عن ابن مسعود t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس من عملٍ يُقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا من عمل يقرب إلى النار إلا وقد
وهذا مصداق لقوله تعالى:) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (المائدة:3. ومن لوازم اكتمال الدين أن يكون فيه جواب على كل سؤال، وكل ما يمكن أن يحصل فيه النزاع .
وقال r:" سترون من بعدي اختلافاً شديداً " فما هو العاصم " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ .."[[16]].
عن سفيان بن عيينة أنه كان يقول:" إن رسول الله r هو الميزان الأكبر، فعليه تُعرض الأشياء: على خُلُقه، وسيرته، وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل ".
فطالب العلم إن ركن إلى هذا الميزان العاصم وأعمله بصورة صحيحة منذ أن يبتدئ في الطلب وعلى قدر وسعه وطاقته .. يسلم وتقل أخطاؤه ومزالقه .. ويصل بسلام إلى شاطئ الأمان والحقيقة .. ويسهل عليه أن يحل أكبر معضلة أو مشكلة تواجهه وهو في مرحلة الطلب .. وما بعد الطلب!
أما إن ركن إلى غيره من الموازين والضوابط .. فإنه حينئذٍ سيتيه في بحور متلاطمة من الأهواء .. لا يقتدر على الاهتداء ولا على معرفة الحق من الباطل .. كما لا تؤمن عليه الفتنة .. أو أن يكون نصيراً للمجرمين وهو يدري أولا يدري ..!
وهو بذلك يكون كذلك نقمة على الأمة تستوجب الجهاد بدلاً من أن يكون رحمة عليها وعلى أبنائها ..!
رابعاً: طريقة في القراءة: وهي نوعان: قراءة مرشَّدة، وقراءة غير مرشدة ..!
1- القراءة المرشدة: وصفتها أن يُحدد الطالب موضوعاً للبحث، ثم يقوم بتجميع أدلة، ولوازم، وأطراف، ومواد هذا الموضوع .. ليخرج في النهاية بحكم أو نتيجة واضحة فيما تم بحثه، تمكنه من الترجيح، والاجتهاد، أو الإدلاء بقول مسموع ومعتبر في موضوع البحث.
فإن انتهى منه انتقل إلى موضوع آخر .. وهكذا إلى أن تتجمع لديه أبحاث عدة وفي مواضيع عدة ومختلفة .. وبهذه الطريقة تتشكل لديه ـ بإذن الله ـ الثروة العلمية .. شيئاً فشيئاً.
مثال: لتوضيح الأمر نضرب المثال التالي: موضوع تارك الصلاة .. فقد تباينت أقوال أهل العلم حول حكم تارك الصلاة .. ولكل فريق أدلته .. فما الذي يفعله طالب العلم ليصل إلى النتيجة التي تمكنه من الإفتاء والمحاججة في الموضوع .. وترجيح قول على قول؟!
يقوم ابتداءً بتجميع أدلة المسألة من الكتاب والسنة .. ويقوم بتدوينها في دفتر خاص للأبحاث لتسهيل معاودة النظر فيها ..!
ثم يقوم بتجميع أقوال الصحابة في المسألة .. ثم أقوال التابعين .. وغيرهم من أهل العلم المعتبرين ممن جاءوا بعدهم .. ويقوم بتدوينها بطريقة منظمة على دفتر الأبحاث ..!
بعد أن جمع مواد وأدلة المسألة ووضعها أمامه .. ينظر في أصول أهل العلم الذين جعلتهم يرجحون قولاً دون قول .. وأيها أقرب لدلالة النص ..!
فهو بعد ذلك ـ بإذن الله ـ يستطيع أن يخرج بنتيجة واضحة .. وحكم سديد في المسألة .. يقوم بتدوينه على دفتره الخاص .. كنتيجة نهائية لعملية البحث!
مثال آخر: مسألة الحكم بغير ما أنزل الله .. كذلك يتبع الخطوات الآنفة الذكر .. ويضيف عليها النظر الدقيق في واقع حكام هذا العصر .. ليحسن إنزال الحكم الذي يناسبهم .. والذي يكون قد وصل إليه من خلال البحث والنظر في أدلة المسألة .. فهو من دون ذلك يكون بحثه ناقصاً ونظرياً .. وهذا الذي يكتفي به أكثر الذين خاضوا في المسألة وبحثوا فيها من المعاصرين، حيث قالوا: الحكم بغير ما أنزل الله نوعان منه الكفر الأكبر ومنه الكفر الأصغر .. وكذلك الحكام منهم الذي يكفر كفراً أكبر ومنهم الذي يكفر الكفر الأصغر .. ثم يقفون عند هذا الحد وهذا التقسيم ومن دون أن يتجاوزه أو يستفيدوا أو يُفيدوا غيرهم فيما يتعلق بواقع الحكام المعاصرين .. وكيفية التعامل معهم .. الذين بحثت المسألة لأجلهم!!
مثال آخر: أن يحدد سورة من القرآن الكريم .. فيقرأها .. ويقوم بتدوين بعض الفوائد المستفادة من السورة بعد أن يطلع على تفسيرها في كتب التفسير المعتمدة .. فإن انتهى منها ينتقل إلى السورة التي بعدها .. وهكذا!
هذه الطريقة هي التي نعني بها بالطريقة المرشّدة؛ وهي كما هو ملاحظ تُكسب الطالب مهارات عدة، منها: الفهم الصحيح، الاتباع لا التقليد، النظر والاجتهاد في المسألة، الحفظ، مهارات خطية وبحثية .. وغيرها!
لكن قد يأتي السؤال: كيف يتم اختيار موضوع البحث ..؟
أقول: المواضيع كثيرة جداً .. والمسائل التي يمكن بحثها كثيرة جداً .. فما الذي ينتقيه طالب العلم ..؟
لا بد من معايير ثابتة لديه تحمله على اختيار موضوع دون موضوع، من هذه المعايير: النظر إلى مدى حاجته هو شخصياً للبحث في هذه المسألة .. ثم النظر إلى مدى حاجة الناس من حوله في قريته أو في مدينته .. لهذه المسألة .. ثم النظر إلى مدى حاجة الأمة للبحث في هذه المسألة .. هل يوجد فيها فراغ لم يُسد لا بُد من الاجتهاد لسده أم لا .. فهذا كله يؤثر على مدى اختيار الطالب لموضوع دون موضوع.
يؤلمني أن أجد بعض الباحثين قد خاضوا في مواضيع مكررة .. ومدونة في كتب عدة وسابقة .. تُبحث بعشرة صفحات .. فكتبوا فيها مئات الصفحات .. وربما مجلدات!!
جهد ضائع .. وفائدة قليلة إن لم تكن معدومة .. قياساً للجهد المبذول في سبيلها ..!
2- قراءة غير مرشَّدة: وهذه قراءة سريعة لم يسبق لها الإعداد؛ كأن يقرأ الطالب مقالاً شد انتباهه، أو خبراً في مجلة أو جريدة .. أو قصة .. أو موعظة .. أو سيرة لبطل من أبطال التاريخ .. أو قراءة بيان .. أو تقارير عن أحداث معينة .. أو فتوى لعالم .. ونحو ذلك.
فهذه القراءة وإن كانت أقل نفعاً من القراءة المرشّدة إلا أنها ضرورية لطالب العلم فهي له بمثابة ساعة ترفيهية تنشيطية لا بد منها لنفسه، وروحه، وجسده، وذهنه .. وعلى قاعدة ساعة فساعة، والله تعالى أعلم.
خامساً: كيفية القراءة: مما نعلمه جميعاً أن المكتبة الإسلامية ضخمة جداً تتجاوز مئات الآلاف من الكتب، كما أن في اليوم الواحد تُطبع عشرات إن لم يكن مئات من الكتب .. وفي المقابل فإن عمر الإنسان محدود .. فأعمار أمة محمد r ـ في الغالب ـ هي بين الستين والسبعين .. كما ورد ذلك في الحديث .. نصف هذا العمر إن لم يكن أكثر يذهب بين النوم، والطعام، والأعمال اليومية التي لا بد للإنسان منها ..!
والسؤال: كيف هذا الطالب بهذا العمر المحدود الضيق يستطيع أن يقف على أكبر قدر ممكن من هذه المطبوعات والمؤلفات .. لتحقيق أكبر قدر من الفائدة ؟!
كيف يستطيع أن يواكب الطالب كثيراً مما يُطبع من المؤلفات .. وليس كل ما يُطبع ..؟!
وللجواب على هذا السؤال أفيد بما يلي:
أولاً: هذه المؤلفات والمطبوعات المنتشرة متفاوتة الفائدة .. فيجب على الطالب أن تنصرف همته لأكثرها فائدة بالنسبة له، ولأبحاثه .. فإن عجز عن اختيار الأهم والأفضل .. لا بأس عليه بأن يستعين بمن هم أكثر منه خبرة في هذا المجال .. ليستدل على الكتاب الأكثر نفعاً وأهمية .. فهو بهذه الخطوة يميز بين كثير مما ينبغي أن يُقرأ وبين مالا ينبغي أن يُقرأ ..!
ثانياً: عند القراءة فإن القراءة ـ من حيث الكيفية ـ تنقسم إلى أقسام:
1- قراءة بالفم، والعين، والذهن معاً: وهذه قراءة بطيئة .. غالباً تكون عندما الطالب يقرأ القرآن الكريم بتدبر وتمعنٍ .. وهذا هو الواجب.
وكذلك عندما يقرأ الطالب نصاً أو متناً على شيخه ليسمع منه الشرح والتفصيل .. ونحو ذلك من القراءات.
2- قراءة بالعين والذهن: وهذه قراءة أسرع ..!
3- قراءة بالذهن مع استخدام يسير للعين: وصفتها أن يقرأ الطالب أسطراً من أول المقال، وأسطراً من وسطه، وأسطراً من نهايته .. فيفهم المراد .. وهذه أسرع القراءات.
وكلما توسعت ثقافته ومداركه .. في المادة المقروءة كلما قلت عدد الأسطر أو الصفحات التي يقرأها من المقال أو البحث .. وكلما قلت ثقافته ومداركه في المادة المقروءة كلما وجب عليه أن يزيد من نسبة قراءة الأسطر أو الصفحات لكي يتعرف على مادة وهدف البحث أو المقال .. وربما يجد نفسه أحياناً مضطراً لقراءة البحث كلمة كلمة .. ليفهم المراد جيداً .. وهذا كله يعود لسعة إطلاع طالب العلم في المادة المقروءة!
وهذا أمر مجرب يدركه القراء المحترفون .. بل لا أخفي إخواني طلاب العلم ـ وأذكر ذلك لهم من قبيل الترغيب وشحذ الهمم ـ لشدة قراءتي في مواضيع معينة .. أكاد أفهم ـ بفضل الله تعالى ومنته ـ مصنفاً كاملاً كتب في هذه المواضيع .. وماذا يُريد صاحبه .. وما هو الراجح عنده .. في ساعة واحدة ..!
بل أحياناً وأنا أقرأ كلاماً .. أقول هذا كلام فلان .. أو كلام الحزب أو الجماعة الفلانية .. قبل أن أعرف كاتبه أو الجهة التي كتبته .. لكثرة قراءتي لهـذه
الجماعة أو تلك .. أو لهذا الشخص أو ذاك!
ولو وُضعت فقرة لشيخ الإسلام .. أو لسيد قطب .. في مقال أو بحث .. ومن دون أن تُنسب إليه .. لاستطعت ـ بفضل الله تعالى ومنته ـ أن أحددها وأخرجها .. من مجموع كلام الباحث .. وهذا الحس يتحصل من خلال كثرة القراءة لهذا العالم أو ذاك .. وهو لا يحتاج إلى مزيد عناء أو مهارات .. فلا غرابة من ذلك إن شاء الله.
سادساً: طريقة تحصيل العلم عن طريق السمع: طريق تحصيل العلم ليس مقصوراً على القراءة أو على حاسة البصر وحسب .. بل يشترك مع البصر السمع والفؤاد كذلك، كما قال تعالى:) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (الإسراء:36. فخصت حاسة السمع بالذكر قبل حاسة البصر .. لأن السمع يُعتبر أوسع السبل لتحصيل العلوم والمعارف .. وهو أوكد حجة على صاحبه؛ فالذي يسمع من العالم مشافهة غير الذي يقرأ له .. والحجة قائمة على الأعمى السميع أكثر منها على البصير الذي لا يسمع!
أما عن طريقة تحصيل العلم عن طريق السمع، فهي كذلك نوعان: طريقة مرشَّدة، وطريقة غير مرشدة.
1- الطريقة المرشّدة: كأن يستمع الطالب لأستاذه أو شيخه وهو يقرأ على طلابه متناً معيناً في الفقه أو العقيدة أو الأصول أو غير ذلك .. ويُدون عنه الفوائد والمسائل .. ويخرج بنهاية تمكنه من القول بأنه درس متناً من متون العلم على يد عالم من العلماء!
ونحو ذلك أن يستمع إلى مجموعة من الأشرطة المسجلة .. أملاها عالم من العلماء .. شاملة لشرح متن في العقيدة أو الفقه أو التفسير أو غير ذلك .. ويُدون منها الفوائد .. فهذا متوفر في هذا الزمان ولله الحمد .. والحصول عليه سهل غير عسير!
2- الطريقة الغير مرشَّدة: كأن يستمع الطالب إلى نصيحة أو موعظة من عالم أو عابر سبيل .. أو كلمة سريعة أو خطبة من فلان أو علان .. أو من شريط يحتوي على بعض المواعظ والفوائد .. أو قصيدة .. ونحو ذلك.
سابعاً: الأخذ عن العلماء، وطريقة التعامل معهم: بما يخص هذه النقطة يتحتم على طالب العلم عدة أمور لا بد من أن يلتزم بها:
منها: تحديد العلماء ـ الأحياء منهم والأموات ـ الذين يتلقى منهم العلم؛ ونعني بذلك أنه لا بد له ابتداءً من تحديد العلماء العاملين من ذوي المنهج السلفي السني الصحيح الذين يتلقى منهم ومن مؤلفاتهم العلم .. على ضوء الميزان أو الضابط الذي أشرنا إليه في النقطة الثالثة .. وبعد أن يرتوي منهم إلى درجة التضلع والتمكن .. له أن يتوسع ويقرأ لغيرهم إن وجد الوقت أو الفائدة من وراء ذلك.
فلا يتلقى العلم ـ وبخاصة في المرحلة الأولى من الطلب ـ من أهل البدع والأهواء ..!
ومنها: أن يتجرد من التعصب لأشخاص ومذاهب العلماء .. فينصف الحق منهم ومن نفسه .. ويعلم أن كلاً يؤخذ منه ويُرد عليه .. يُخطئ ويُصيب .. يُقال له أخطأت وأصبت .. عدا النبي r فإنه لا يجوز أن يُفترض فيه إلا الحق والصواب، كما لا يجوز أن يُعقب عليه في شيء .. وإنما يُسلم لحكمه وأمره تسليماً.
يدور مع الحق حيث دار .. لا مع الشيخ أو الحزب حيث يدور .. فيوالي ويُعادي فيه، في الحق وفي الباطل ..!
من أعظم ضلالات أهل الكتاب أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله .. فاتبعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله .. وأطاعوهم بغير سلطانٍ من الله .. كما قال تعالى عنهم:)اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة:31.
فطالب العلم الجاد يجب أن يحتاط لنفسه ودينه من أن يتخلق بشيء من ذلك
وهو يدري أو لا يدري ..!
ومنها: أن يحفظ للعلماء العاملين حقهم من الموالاة، والتوقير، والاحترام؛ فينصفهم إن أصابوا .. ويفرح لذلك .. ويعذرهم إن أخطأوا ما وجد لإعذارهم سبيلاً ..!
قال r:" ليس من أمتي من لم يُجلََّّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالِمنا "[[17]]. أي يعرف له حقه من توقير وإكرام واحترام .. فهذا لا يتعارض مع ما تقدم من ضرورة إنصاف الحق!
مشكلة كثير من طلاب العلم أنهم لا يُحسنون الموازنة بين ما يجب عليهم من إنصاف الحق من الخلق .. وبين ما يجب عليهم من توقير واحترامٍ للعلماء .. فيظنون أن أحدهما يتعارض مع الآخر ولا بد .. والأمر ليس كذلك!
فإن قيل: هلاَّ ذكرت لنا أسماء بعض العلماء .. ممن تنصحنا بالقراءة لهم ..؟
أقول: قد تعرفت على الميزان الذي توزن به الأشياء .. والذي على أساسه تأخذ وترد .. وبه تعرف الحق من الباطل .. والمصلح من المفسد .. والعالم ممن سواه .. كما هو وارد في النقطة الثالثة من هذا البحث.
فلو أعملت هذا الميزان بصورة جيدة لسهل عليك معرفة لمن تقرأ من أهل العلم .. ومع ذلك أذكر لك بعضاً من أهل العلم والفضل ممن يُستحسن القراءة لهم.
فأقول: هم أكثر من أن يُحصروا في هذا البحث ولله الحمد .. ولكن أخص منهم بالذكر: جبل العلم الأشم شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية .. وتلميذيه النجيبين ابن القيم وابن كثير .. والنووي .. وابن عبد البر .. والشوكاني .. وابن رجب الحنبلي .. والشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده الأولين .. الشنقيطي صاحب الأضواء .. أحمد شاكر .. الشيخ محمد ناصر الدين الألباني .. ابن العثيمين .. سيد قطب .. محمد قطب .. الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي .. أبو محمد المقدسي .. سفر الحوالي .. وغيرهم الكثير من أهل العلم والفضل .. رحم الله الأموات منهم، وحفظ الأحياء منهم من كل سوء.
أنت بحاجة إلى هؤلاء كلهم .. وإلى غيرهم .. مع التنبيه إلى ما ذكرناه سابقاً أن ما من عالم إلا وله هفوة وهفوات .. له وعليه .. يخطئ ويُصيب .. يؤخذ منه ويُرد عليه .. والكمال عزيز .. والطالب عند القراءة أو الطلب عليه أن يتنبه لذلك .. وأن لا يكون كحاطب ليل!
ثامناً: إن جالست عالماً ماذا تفعل: يؤسفني أن أقول أن كثيراً من طلاب العلم لا يُحسنون استغلال العلماء الذين يعيشون بجوارهم .. ولا التعامل معهم .. فمنهم من تمر عليه سنة لا يزور فيها عالماً .. علماً أنه ليس بينه بين العالم سوى دقائق معدودات سيراً على الأقدام .. بل ولا يتصل بعالم يسأله عن شيء من أمور العلم والدين .. رغم سهولة الاتصال!
بل إن من الطلاب لو رأى من شيخه سِنة أو نوم .. أو هفوة أو زلة .. أو فتوى لم تعجبه لطار بها في الأمصار .. وسرعان ما يُعلن عليه الحرب والعداء .. والمفاصلة .. والتشهير والمقاطعة .. مع حاجته الماسة إليه ..!
كما أن من الطلاب تجد عنده الكم الهائل من المسائل التي أشكل فهمها عليه .. ثم إن قدر له أن يجالس عالماً أو من هو أعلم منه .. فلا يبادره السؤال عن شيء .. ولشغَلَه بمواضيع ومسائل تافهة .. يقول العالم منها في نفسه .. ليته سكت!
وربما حمله الكبر على أن لا يسأل .. رغم حاجته لأن يسأل!
اعلم أيها الطالب أنك أنت الخاسر؛ لأنك أنت الذي تحتاج العالم وليس العكس .. فإن كان بجوارك اليوم فغداً سيودعك ويفارقك .. فتندم ولات حين مندم .. واعلم أن الله تعالى لا ينتزع العلم انتزاعاً وإنما يقبض العلم بقبض العلماء.
لذا تعين التنبيه إلى بعض ما يستحسن للطالب أن يفعله ويراعيه إن جالس شيخه أو عالماً من العلماء:
1- ننصح الطالب بأن يخصص دفتراً يسجل فيه الأسئلة والمسائل التي أشكل فهمها عليه من خلال القراءة والبحث .. ليقوم بعرضها على شيخه في أول فرصة يتم فيها اللقاء.
2- يعرض على شيخه الأسئلة بحسب أهميتها بالنسبة للطالب ..!
3- أن يكون الغرض من طرح الأسئلة الاسترشاد ومعرفة الحق .. وليحذر من أن يُشعر شيخه بأنه يسأل للجدال .. أو لمجرد الترف والتحصيل العلمي .. فهذا يقلل من نسبة إقبال شيخه عليه!
4- أن يُحسن الإقبال على شيخه .. فلا يعبث بأشياء تنم عن استخفافه بالمجلس .. وبشيخه!
كما يجب عليه أن يتأدب عند الخطاب وحصول المراجعة والاستفسار .. فإن ذلك مما يزيد من إقبال شيخه عليه .. ويجعل الشيخ أكثر صبراً ورغبة في الإقبال على تلميذه .. وأكثر عطاءً له[[18]]!
التلميذ الناجح هو الذي ـ باسلوبه الذكي ـ يستطيع أن ينتزع من شيخه أكبر قدرٍ ممكن من الوقت والمعلومات .. والشيخ راغب وراضٍ بذلك .. وهذا الصنف من التلاميذ موجودون لا تخلو منهم الساحة .. ولله الحمد.
تاسعاً: القراءة في الكتب: نود أن نضيف هنا أن همة الطالب ينبغي أن تنحصر في الاطلاع على الكتب النافعة التي تراعي المنهج السليم في العرض والاستدلال .. والتي تتحرى الدليل الصحيح من الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة
.. في جميع المسائل التي يتم تناولها.
والكتب من حيث عرض المادة العلمية نوعان: نوع تكون مواضيع الكتاب فيه مرتبطة بعضها ببعض؛ بحيث تكون الفكرة الأولى من الكتاب مرتبطة بالفكرة أو المسألة الأخيرة منه .. فلو قُرئ الجزء الأول منه لا يمكن أن يُفهم أو يُنصف إلا إذا قُرئت جميع أجزاء الكتاب .. فالكتب من هذا النوع يجب أن تُقرأ من أولها إلى آخرها لكي يتأتى المطلوب .. ويُعطى موضوع الكتاب حقه.
ونوع آخر من الكتب هي أقرب إلى الموسوعات والمراجع الكبيرة .. مسائلها ومواضيعها غير مرتبطة بعضها ببعض، ولا يُشترط لفهم بعضها فهم المجموع؛ أي أن الطالب بإمكانه أن يتناول المسألة أو الموضوع الذي يريده ويهمه من الكتاب من دون أن يُلزم نفسه بقراءة جميع مسائل ومواضيع الكتاب من أوله إلى آخره ..!
والطالب عند تعامله مع الكتاب ينبغي عليه أن يُحسن التمييز بين النوعين من الكتب .. فإن أشكل عليه شيء من ذلك سأل غيره، فإن دواء العي السؤال.
فإن قيل ما هي الكتب التي تنصح بها طالب العلم ..؟
أقول: لكل طالبٍ لا بد له من مكتبة؛ إذ التعويل الأكبر في التحصيل والطلب ـ بخاصة في هذا الزمن ـ على الكتاب النافع .. فالكتب بالنسبة للطالب كالماء بالنسبة للحياة .. لا غنى له عنها!
وإليك المكتبة التي ننصح بها طالب العلم:
ـ مكتبة التفسير:
1- تفسير جامع البيان، للطبري.
2- تفسير القرطبي { الجامع لأحكام القرآن }.
3- تفسير ابن كثير ...
4- تفسير البغوي ...
5- أضواء البيان، للشنقيطي.
6- في ظلال القرآن، لسيد قطب.
7- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن ناصر السعدي.
8- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
ـ مكتبة الحديث:
1- صحيحي البخاري ومسلم.
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني.
3- شرح صحيح مسلم، للنووي.
4- كتب السنن الأربعة: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة.
4- مجموع مؤلفات الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني الحديثية .. الصحيحة منها والضعيفة، وغيرها.
5- جامع العلوم والحكم، ابن رجب.
6- النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير.
7- رياض الصالحين، النووي.
8- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ...
9- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ابن كثير.
ـ مكتبة العقيدة:
1- تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله آل الشيخ.
2- مجموعة التوحيد، لمجموعة من العلماء ...
3- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي.
4- أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، حافظ الحكمي.
5- تهذيب شرح العقيدة الطحاوية .. بتعليقنا.
6- العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام .. شرح الشيخ ابن العثيمين.
7- كتاب الإيمان، لابن تيمية.
8- معالم في الطريق، سيد قطب.
9- مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب.
10- طريق الدعوة في ظلال القرآن، سيد قطب.
11- المصطلحات الأربعة في القرآن، للمودودي.
12- شروط " لا إله إلا الله " .. لنا.
13- العبودية، لابن تيمية.
14- الصارم المسلول على شاتم الرسول .. لابن تيمية.
15- قواعد في التكفير، لنا.
16- أعمال تخرج صاحبها من الملة، لنا.
ـ مكتبة الفقه:
1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ..
2- المغني، لابن قدامة.
3- نيل الأوطار، الشوكاني.
4- المحلى، لابن حزم.
5- الأم، للشافعي.
6- موطأ الإمام مالك.
7- الاستذكار أو التمهيد .. لابن عبد البر، ومن استطاع أن يجمع بينهما فهو أفضل.
8- شرح السنة، البغوي.
9- سبل السلام، للصنعاني .. تحقيق الأخ الشيخ محمد صبحي حسن حلاق.
10- الروضة الندية، محمد صديق حسن خان .. تحقيق الأخ الشيخ محمد صبحي حسن حلاق.
11- العمدة في إعداد العدة، عبد القادر عبد العزيز.
12- صفة صلاة النبي r .. الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
13- أحكام الجنائز .. الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
14- السياسة الشرعية، لابن تيمية.
ـ مكتبة الأصول:
1- الرسالة، الشافعي.
2- الاعتصام، لأبي إسحاق الشاطبي.
3- الموافقات، لأبي إسحاق الشاطبي.
4- مذكرة أصول الفقه، الشنقيطي.
5- التحقيقات في شرح الورقات، ابن قاوان.
6- الأصول من علم الأصول، ابن العثيمين.
ـ مكتبة السير، والتراجم، والتاريخ:
1- سير أعلام النبلاء، الذهبي.
2- تهذيب الكمال، للحافظ المذي .. أو تهذيب التهذيب، لابن حجر.
3- الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر.
4- البداية والنهاية، ابن كثير.
5- المنتظم، لابن الجوزي.
6- مجموعة التاريخ الإسلامي، محمود شاكر.
7- الرحيق المختوم، المباركفوري.
8- صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي.
9- السيرة النبوية، ابن هشام.
ـ مكتبة المعاجم، واللغة:
1- معجم لسان العرب، ابن منظور.
2- القاموس المحيط، فيروز أبادي.
3- معجم البلدان، ياقوت الحموي.
4- جامع الدروس العربية، مصطفى غلاييني.
5- شرح ابن عقيل ..
6- شرح قطر الندى وبل الصدى ...
7- وحي القلم، الرافعي.
ـ مكتبة الآداب والرقائق:
1- الزهد والرقائق، ابن المبارك.
2- مشارع الأشواق، ابن النحاس.
3- صلاح الأمة في علو الهمة، سيد بن حسين.
4- صحيح الأدب المفرد، البخاري، تحقيق الشيخ ناصر.
5- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم.
6- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
7- صيد الخاطر، ابن الجوزي.
8- النهاية في الفتن والملاحم، ابن كثير.
7- لا تحزن، عائض القرني.
ـ مكتبة الفرق والأديان، والمذاهب:
1- منهاج السنة النبوية، ابن تيمية.
2- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، ابن تيمية.
3- الصواعق المرسلة، ابن القيم.
4- الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم.
5- ظاهرة الإرجاء، سفر الحوالي.
6- العلمانية، سفر الحوالي.
7- مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب.
8- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، مانع الجهني.
9- حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية .. لنا.
ـ مجموعات ننصح باقتنائها لأهميتها:
1- مجموع مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية.
2- مجموع مؤلفات ابن قيم الجوزية.
3- مجموع مؤلفات محمد بن عبد الوهاب.
4- مجموع مؤلفات محمد قطب.
5- مجموع مؤلفات ابن العثيمين.
6- مجموع مؤلفات أبي محمد المقدسي.
وبعد، هذه هي المكتبة النموذجية المصغرة التي ننصح بها طالب العلم .. ونرى له أن يعمل ابتداءً على اقتنائها .. والإضافة عليها من الكتب النافعة .. وما أكثرها .. رجاء أن ينتفع وينفع بها، إن شاء الله.
عاشراً: ترتيب الأولويات عند الطلب والقراءة: قد أشرنا من قبل إلى ضيق الوقت وإلى أهميته .. وقد أشرنا كذلك إلى ضرورة أن تتوجه همة الطالب عند الطلب إلى الأهم فالأهم .. لكن كيف يتم اختياره وتحديده للأهم .. وعلى أي أساس أو ضابط يقدم جانباً من جوانب العلم ويؤخر جانباً ..؟!
أقول: عند تحديد الأهم، والأولويات في طلب العلم .. لا بد من النظر إلى الأمور التالية:
أولاً: النظر إلى المادة العلمية من حيث حكم الشرع فيها؛ هل طلبها يرقى إلى درجة الفرض والوجوب، أم أنها من فروض الكفاية، أم أنها من الأمور المندوبة والمستحبة، أم أنها من الأمور المباحة؛ فعلها وتركها سواء ..؟!
والفرض ذاته يحتمل المفاضلة كذلك؛ حيث هناك فرض يحتمل التأخير أو التأجيل لفترة معينة، وفرض لا يحتمل ذلك؛ فتأخيره أو تأجيله ولو لفترة وجيزة ..
قد يوقع صاحبه في الإثم والحرج .. فهذا كله لا بد من أن يُراعى عند الطلب والاختيار.
ثانياً: النظر إلى ما يحتاجه هو كطالب؛ فقد يكون عنده إشباع في جانب من جوانب العلم، ونقص حاد في جوانب أخرى .. ففي مثل هذه الحالة لا بد له من أن ينفر إلى طلب الجانب الذي يعاني فيه من النقص أو التقصير ..!
حيث أن من الطلاب ينشغل فيما يحبه ويستسهله من المواضيع العلمية الزمن الطويل .. وذلك يكون في الغالب على حساب الجوانب أو المواضيع العلمية الأخرى .. وهذا خطأ لا يليق بطالب العلم الجاد.
تلحظ ذلك عندما تجد فقيهاً واسع الصيت والشهرة .. قضى عشرات السنين في دراسة الفقه وأصوله .. لكنه في المقابل يقع في مزالق عقدية عديدة .. لا تليق به .. تنم عن نقص حاد عنده في هذا الجانب الهام ..!
ونحوه كذلك من ينشغل بالحديث تحقيقاً وتخريجاً .. تصحيحاً وتضعيفاً .. الزمن الطويل .. بينما في المقابل تراه لا يُحسن التمييز بين الكفر والإيمان، وبين الشرك والتوحيد، وبين الكافر والمؤمن .. وبين من تجب موالاته ممن تجب معاداته .. وذلك لتفريطه الحاد في دراسة العقيدة والتوحيد على وجه التدقيق والتحقيق ..!
ثالثاً: النظر إلى ما تحتاجه الأمة والناس من حوله .. فهذا لا بد من أن يكون معتبراً عند تقديم جانب من جوانب العلم دون جانب ..!
فإن جاء رمضان تراه قدم الانشغال بفقه الصيام على ما سواه .. وإذا أتى موسم الحج قدم الانشغال بفقه الحج على ما سواه لحاجة الناس إليه .. وإن كان يعيش في بيئة يسود فيها أنواع خفية من الشرك قدم الانشغال بالعلم الذي ينفع الناس في هذا الجانب .. وإن كان يعيش في بيئة تكثر فيها المعاملات الربوية .. قدم الانشغال بفقه البيوع .. والمعاملات الربوية .. وإن كان يعيش في بيئة ركن فيها الناس إلى الدنيا وتركوا الجهاد .. قدم الانشغال بالعلم الذي ينفع الناس في هذا الجانب .. وإن كان يعيش في بيئة ساءت فيها أخلاق الناس وقلت أماناتهم، انشغل بالعلم الذي ينفع الناس في ذلك .. وهكذا كل علم ينشغل به لا بد من مراعاة ما يحتاجه الناس في البيئة التي يعيش فيها.
لا بد من وضع الأشياء في موضعها الصحيح .. فمن كان يشكو من العطش من الخطأ أن تجلب له الخبز .. ومن كان يشكو من آلام في الرأس .. من الخطأ أن تكلمه عن آلام البطن وكيفية العلاج منها .. لا بد لطلاب العلم من أن يتنبهوا لذلك .. ويحسنوا توصيف الداء والدواء .. لا بد لهم من أن يعيشوا آلام أمتهم ومشاكلها .. هذا إذا أرادوا أن يكونوا طرفاً فاعلاً في حلها وعلاجها.
ـ الذي نوصي به: إضافة لما تقدم ذكره عن الضوابط في تحديد المهام والأولويات من مسائل العلم .. نؤكد على ضرورة اهتمام الطالب بجانب هام جداً من جوانب العلم والدين .. ونؤكد على ضرورة أن يعطيه الأولوية عند الطلب .. وأن يجعل له الحظ الأوفر من الطلب وبذل الجهد .. ألا وهو جانب العقيدة والتوحيد .. وذلك للأسباب التالية:
1- هذا المنهج في الطلب والتلقين هو الثابت عن الأنبياء والمرسلين، وعن الصحابة والتابعين، كما في الحديث عن ابن عباس أن رسول الله r لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال:" إنك تقدم على قومٍ أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادَةُ الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاةً من أموالهم وتُرد على فقرائهم .. " متفق عليه.
فتأمل كيف أمره أن يبدأ معهم أولاً بدعوتهم إلى عبادة الله وتوحيده، فإذا عرفوا الله تعالى بخصائصه وصفاته، وما له من حقٍّ على عباده .. فليدعهم إلى الصلاة .. ثم الزكاة .. وهكذا.
وعن جندب بن عبد الله، قال:" كنا مع النبيِّ r ونحن فتيانٌ، فتعلمنا الإيمان
كما أن الأنبياء والمرسلين كانوا أول ما يبتدئون به قومهم:) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (المؤمنون:32. وقال تعالى:) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل:36. وقال تعالى:)فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد:19.
2- أن التوحيد أصل الأصول .. يُبنى عليه .. فإن صح الأصل صح البناء .. وإن فسد الأصل فسد البناء وانهار .. كما قال تعالى:)وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام:88. وقال تعالى:) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الزمر:65.
فأيما بناء أو عمل صالح لا يقوم على قاعدة التوحيد أو لا يتقدمه التوحيد الخالص فهو لا ينفع صاحبه في شيء، ومصيره إلى أن يكون هباءً منثوراً، قال تعالى:) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (الفرقان:23. وذلك أنهم أتوا بالطاعات وهم على الشرك المناقض للتوحيد .. فما نفعتهم أعمالهم في شيء!
3- أن المتمكن من التوحيد يستطيع أن يفهم ويوازن ويفاضل بين الأشياء .. وأن يميز بين الغث من السمين .. أكثر بكثير ممن يجهل التوحيد أو يُعاني من نقص أو تقصير فيه.
فهو من جهة يعرف سبيل المؤمنين الموحدين .. ومن جهة أخرى يعرف سبيل المجرمين المشركين .. وما ينشرونه من شرك وأباطيل .. ومن كان كذلك فهو في حصنٍ منيع من الحق .. يصعب غزوه أو إغواؤه .. والله تعالى أعلم.
4- حاجة المرء للتوحيد على مدار الوقت واللحظات .. عندما يقرأ .. عندما يتعامل مع الآخرين .. عندما يسمع شيئاً .. عندما يُشاهد شيئاً .. عندما يريد أن يحدد موقفاً .. عندما يريد أن يمدح ويذم .. عندما يريد أن يُحسِّن أو يُقبح .. عندما يريد أن يوالي أو يُعادي .. عندما يريد أن يُخاصم أو يُسالم .. فالمنطلق في الحكم على هذه الأشياء كلها مرده إلى العقيدة والتوحيد.
فمن سلم عنده التوحيد .. سلم عنده كل شيء .. وأحسن التعامل مع كل شيء .. والحكم على كل شيء .. ومن فسد عليه توحيده فسد عنده كل شيء .. وأخطأ التعامل مع كل شيء .. وأساء الحكم على كل شيء ..!
إحدى عشر: أمور تعين على الفهم والطلب: هناك أمور تعين الطالب على الفهم والحفظ والطلب .. لا بد للطالب من مراعاتها، والانتباه إليها، نذكر منها:
1- الإخلاص: أن يخلص نيته لله تعالى عند الطلب .. فإن الإخلاص يدب البركة في العلم والعمل، وينميه .. إضافة إلى كونه شرطاً في قبوله ..!
ويحذر الطالب أن تكون نيته من الطلب الشهرة، أو السمعة، أو لصرف وجوه الناس إليه، أو حتى يُقال عنه عالم، أو لعرض من الدنيا وزينتها، أو ليتخير به المجالس .. فإن ذلك يُبطل العلم، ويذهب بركته، والنفع منه ..!
عن ابن عباس، قال:" إنما يحفظ الرجل على قدر نيته " أي على قدر ما يكون مخلصاً في نيته لله U .
قال علي بن المديني:" لما ودعت سفيان، قال: أما إنك ستبتلى بهذا الأمر، وإن الناس سيحتاجونك، فاتقِ الله ولتحسن نيتك " .. وهذا المعنى قد تقدمت الإشارة إليه.
2- الدعاء: إن مما يعين على الفهم والطلب الدعاء .. فإن الدعاء ـ إن نال القبول ـ سلاح لا يقف أمامه شيء .. وقد كان من السلف إذا استعصت عليه مسألة التجأ إلى السجود والدعاء، وقال: اللهم فهمنيها .. اللهم فهمنيها .. اللهم فهمنيها .. إلى أن يفهمها ويشرح الله صدره للحق والصواب .. وتنجلي عنه الغمة!
3- تقوى الله، والابتعاد عن المعاصي: أيما مشكلة مهما كبرت فعلاجها ودواؤها التقوى، قال تعالى:)وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة:282. وقال تعالى:) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (الطلاق:4. وقال تعالى:) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ( الطلاق:2-3. مخرجاً من كل ضيق وكرب أو خطب .. فجرب إن كنت في شكٍّ من ذلك!
والتقوى: أن تتقي وتلوذ بمرضاة الله من سخطه، وبطاعته من معصيته.
كذلك في المقابل فإن الإثم أو الذنب يفتك بالقلب مقر العلم ووعائه فتكاً، كما جاء في الحديث عن النبي r أنه قال:" إن العبد إذا أخطأ خطيئة ـ وفي رواية إذا أذنب ذنباً ـ نُكتت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا نزعَ واستغفر وتاب سُقِل قلبه، وإن عادَ زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله:) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( "[[20]]. وهذا الران مما يفعله بصاحبه أنه يُحيل بينه وبين الحفظ وفهم الحق ..!
وقد جاء في الحديث قوله r:" لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبُه .."[[21]]. فكيف تراه يستقيم قلبه وقد علاه الران بذنوبه ..؟!
وقال r:" الإثم حوَّاز القلوب، وما من نظرةٍ إلا وللشيطان فيها مطمع "[[22]]. أي أن الإثم يحز في القلب كما يحز الشيء الحاد بالأشياء ..!
وقوله r " حوَّاز " صيغة مبالغة؛ أي كثير الحزِّ وشديد الأثر .. نسأل الله تعالى العفو والعافية.
سأل رجل مالك بن أنس: يا أبا عبد الله! هل يصلح لهذا الحفظ شيء ـ أي حفظ العلم ـ؟ قال: إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي!
وعن بشر بن الحارث كان يقول: إن أردت أن تُلقَّن العلم فلا تعصِ!
وعن عبد الله بن مسعود قال: إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها!
4- الكسب الحلال والمطعم الحلال: فعلى طالب العلم أن يحرص على الكسب الحلال والمطعم الحلال؛ فإن الجسد الذي يُغذى بالحرام، وينبت بالحرام لا يصلح أن يكون وعاءً للعلم الشريف .. كما في الحديث:" إن الرجلَ يُطيلُ السفر أشعثَ أغبرَ يمد يديه إلى السماء: يا رب .. يا رب! ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له ؟! " مسلم.
قال رجلٌ لعيسى بن مريم عليهما السلام: يا روح الله! أوصني. قال: انظر خبزك من أين هو؟!
5- الحرص والإرادة العالية: إذ من علامات صدق الطلب الحرص الشديد على طلب العلم .. إلى درجة القلق والخوف من الفوت .. وبذل الجهد والنصب .. والغالي والنفيس .. من أجل الوصول والتحصيل .. لا بد من أن يكون طالب العلم كذلك.
أما من آثر الراحة والدعة .. والكسل .. أو وقف عند حدود التمني والرجاء .. ومن دون أن يخطو خطوات في الطريق .. فأنى لهذا أن يصل أو يطلب العلم، أو أن يكون في مصاف طلاب العلم المجدين ..؟!
يسألني بعض الإخوان: كيف لي أن أكون عالماً .. أو داعية مرموقاً ..؟!!
فأقول له مازحاً: اذهب لأقرب بقالة بجوارك .. واسأله عن حبوب تجعل منك
على الفور عالماً .. وداعية ..؟!
طريق طلب العلم طريق شاق وطويل .. ولكنه حبيب ولذيذ لمن حببه الله إياه .. له بداية .. لكن ليس له نهاية .. لا بد للسائرين فيه من جلادة نفس .. وقوة تحمل وصبر .. والناس فيه متفاوتون .. وهم كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة .. تصلح للمسير الطويل!
قال تعالى:) نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف:76. وقال تعالى:) وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (المطففين:26.
6- التواضع للعلم وأهله: إذ لا يُطلب العلم مع الكبر والشعور بالترفع على الخلق .. فكم من طالب علم حُرم علماً نافعاً بسبب احتقاره للخلق وشعوره أنه فوق الجميع .. وفوق أن يسمع أو يقرأ لعلان أو فلان .. أعاذنا الله وإياكم من هذا الخلق الشنيع.
عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله r:" يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر، وحتى تخوض الخيلُ في سبيل الله، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن، يقولون: من أقرأ منَّا؟ من أعلم منا؟ من أفقه منَّا؟ ثم قال لأصحابه: هل في أولئك من خيرٍ ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أولئك منكم؛ من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار "[[26]].
وعن ابن عباس، عن رسول الله r قال:" ليأتينَّ على الناس زمانٌ يتعلمون فيه القرآن، يتعلمونه ويقرؤونه، ثم يقولون: قد قرأنا وعلمنا، فمن ذا الذي هو خير منا؟! فهل في أولئك من خير؟ قالوا: يا رسول الله من أولئك ؟ قال: أولئك منكم، وأولئك هم وقود النار "[[27]].
قلت: وما أكثر هؤلاء في زماننا الذين يطلبون العلم للمباهات، والتحدي،
ليماروا به الآخرين وكأنهم في حلبات قتال ومصارعة .. نسأل الله السلامة والعفو والعافية!
ومما يؤثر عن السلف في تواضعهم لأهل العلم ما روي عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: ما استأذنت قطٌّ على محدِّثٍ، كنتع أنتظره حتى يخرج إليَّ، وتأولت قوله تعالى:) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ (الحجرات:5.
وعن ابن عباس قال: لما قُبض رسول الله r .. أقبلت أسأل أصحاب رسول الله عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي بابه وهو قائلٌ، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج، فيقول: يا ابن عمِّ رسول الله! ما جاء بك؟! ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟! فأقول: أنا أحقُّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث.
وعن الزهري كان يقول: إن كنت لآتي باب عروة، فأجلس، ثم أنصرف فلا أدخل، ولو شئتُ أن أدخل لدخلت، إعظاماً له!
ومن التواضع للعلم وأهله أن تقبل الحق وتنصفه من نفسك ومن كل شيء .. أياً كان صاحبه أو ناقله إليك!
فالكبر: رد الحق واحتقار الخلق .. فهل أنت كذلك .. أو فيك شيء من ذلك .. أعاذني الله وإياك من ذلك!
7- مذاكرة العلم مع الأقران الصالحين، وبذله للناس: إن مما يُعين على الحفظ والتثبت، والفهم الصحيح مراجعة ما تعلمه الطالب من علم مع من يستأنس من طلاب العلم .. وكذلك بذل العلم وتدريسه للناس.
فالإنسان لو حفظ شيئاً ثم لم يتحدث به، ولم يحدث به الآخرين لسرعان ما ينساه ويتفلته .. فقد أثر عن أبي سعيد الخدري قال: تحدثوا؛ فإن الحديث يهيج الحديث.
وقال: تذاكروا؛ فإن الحديث يُذكر الحديث.
وعن علقمة قال: تذاكروا الحديث؛ فإن حياته ذكره.
وعن إبراهيم النخعي، قال: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به، ولو أن يُحدث به من لا يشتهيه؛ فإنه إذا فعل ذلك كان كالكتاب في صدره!
وقال: إنه ليطول علي الليل حتى ألقى أصحابي فأذاكرهم!
وعن ابن شهاب: أنه كان يسمع العلم من عروة وغيره، فيأتي إلى جارية له وهي نائمة، فيوقظها، فيقول: اسمعي: حدثني فلانٌ كذا، وفلان كذا! فتقول: ما لي وما لهذا الحديث؟! فيقول:قد علمتُ أنك لا تنتفعين به، ولكن سمعته الآن، فأردت أن أستذكره.
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان يقول يا سعيد اخرج بنا إلى النخل. ويقول: يا سعيد حدِّث. قلت: أحدِّث وأنت شاهد؟ قال: إن أخطأت فتحت عليك.
ثاني عشر: مزالق نحذر طالب العلم منها: اعلم أيها الطالب أنك اليوم تعيش مرحلة الأخذ والطلب .. وغداً قد يمن الله عليك .. فتعيش مراحل البذل والعطاء ..!
اليوم أنت بحاجة إلى غيرك .. فلا تنسى ذلك غداً يوم أن يحتاجك الناس .. واعلم أنها ستواجهك عقبات ومزالق .. بعضها قد يكون قاتلاً لك إن لم تُحسن التعامل معها ..!
من هذه المزالق التي قد تواجهك:
1- كتمان العلم وقت الحاجة إليه .. رهبة أو رغبة: وهذا خلق شنيع ألصق ما يكون بأحبار ورهبان أهل الكتاب .. قد توعد الله تعالى فاعله باللعن والعذاب الأليم، وبخاصة في وقت يكون الناس بحاجة إليه، مع غياب من يبلغهم هذا العلم؛ حيث الحاجة إليه تتضاعف .. والبيان وقتئذٍ يكون أوكد، قال تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة:159.
وقال تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (البقرة:174. وهذا وعيد شديد لأولئك الذين يكتمون الحق خوفاً على رواتبهم ومخصصاتهم المادية التي يرميها إليهم الطاغوت بين الفينة والأخرى!
وفي الحديث عن أبي هريرة، عن النبي r قال:" ما من رجلٍ يحفظ علماً فيكتمه، إلا أُتي به يوم القيامة ملجماً بلجام من النار "[[28]].
فالعلم له ضريبة لا بد من أن تُدفع؛ وضريبته العمل به وأن يُبذل للناس كامـلاً غير منقوصٍ، كما في الحديث:" مثل الذي يتعلم العلمَ ثم لا يُحدث به، كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا يُنفق منه "[[30]].
وكان الحسن البصري يقول: كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه، وهديه، ولسانه، وبصره، ويده.
وعن القاسم بن إسماعيل بن علي، قال: كنا بباب بشر بن الحارث، فخرج إلينا، فقلنا: يا أبا نصر! حدثنا. فقال: أتؤدون زكاة الحديث؟ قال: قلت يا أبا نصر، وللحديث زكاة؟ قال: نعم، إذا سمعتم الحديث، فما كان في ذلك من عملٍ، أو صلاة، أو تسبيحٍ استعملوه.
فالعلم يُطلب للعمل به .. لا لشيء غير ذلك، كما في الحديث:" يُجاء برجلٍ فيُطرح في النار، فيُطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه، فيطيفُ به أهل النار، فيقولون: أي فلان، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمـر
بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله! " البخاري.
وقال r:" مررت ليلة أسري بي بأقوامٍ تُقرض شفاههم بمقاريض من نارٍ، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون " متفق عليه.
وكان أبو الدرداء t يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق، فيقول لي: يا عُويمر! فأقول: لبيك ربِّ. فيقول: ما عملتَ فيما علمتَ ؟
2- القرب من سلاطين الكفر والجور، والجدال عنهم: وهذه عقبة تكمن لك أيها الطالب .. وتنتظرك .. قلّ من يسلم منها ..!
ستخير بين الهجرة والجهاد ومفارقة الأهل والأوطان .. وصنوف من البلاء .. وبين الركون إلى هؤلاء الطواغيت .. والعمل عندهم .. وبالتالي العيش بأمانهم ورخائهم!
اعلم أن جنتهم ورخاءهم وعطاءهم نار .. وعذاب .. وهو وبال عليك وذل لك في الدنيا والآخرة .. وأن نارهم .. وجهادهم .. جنة .. وعز لك في الدنيا والآخرة ..!
ما قيمة العلم الذي آتاك الله إياه .. إن دخلت في موالاتهم .. وكنت عوناً لهم على باطلهم وظلمهم .. وجادلت عنهم .. وكنت سبباً في إضلال العباد ؟!
كيف تريد أن يصدقك الناس وهم يرونك تجالس الطواغيت الظالمين .. وتؤاكلهم وتشاربهم .. وتسكت على باطلهم .. وتتخذهم أولياء من دون الله؟!
احذر أن تكون العصاة التي يتكئ عليها الطاغوت أمام الناس .. ويؤدب بها
معارضيه ومخالفيه، ولسان حاله يقول: أنا معي .. وفي صفي .. وحزبي .. الشيخ فلان .. والعلامة فلان .. فمن معكم أنتم ..؟!
كيف يطيب لك المكث مع الظالمين، وأن تزين حالهم وحكمهم للناس .. كشاهد زور .. وأنت تسمع قوله تعالى:)وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (الأنعام:68.
وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" ليأتينَّ عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منهم فلا يكوننّ عِرِّيفاً، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولا خازناً "[[32]].
وقال r:" يليكم عمالٌ من بعدي يقولون ما يعلمون، ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهراً، ثم يليكم عمالٌ من بعدي يقولون ما لا يعلمون، ويعملون ما لا يعرفون، فمن ناصحهم، ووازرهم، وشدَّ على أعضادهم، فأولئك قد هلكوا وأهلكوا.."[[33]].
وقال r:" اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس بواردٍ عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يُعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض "[[34]].
وقال r:" من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً، فقد برئ من ذمة الله عز
وقال r:" من أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحدٌ من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً "[[38]].
عن عمارة بن عبد الله بن حذيفة قال: إياكم ومواقف الفتن. قيل وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه!
وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول: إن على أبواب السلاطين فتناً كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا يُصيبون من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينكم مثليه!
وكان ابن المسيب يقول: من رأيتموه يعتاد أبواب السلاطين فهو لص .. أي لا يؤتمن على دين!
3- الاستماع لأهل الأهواء والبدع والتلقي عنهم: مما نحذر منه طالب العلم مجالسة أهل الأهواء والبدع، والإنصات إليهم، أو التلقي عنهم وبخاصة في المراحل الأولى من الطلب؛ إذ يُخشى عليه أن يتأثر بهم، أو يتلوث من أخلاقهم وشبهاتهم وهو لا يدري ..!
قال رسول الله r:" مثل جليس الصالحِ والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثةً " متفق عليه.
وقال r:" من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر ". والأصاغر هم
أهل البدع والأهواء وإن تجاوزت أعمارهم المائة عام ..!
قال أبو صالح محبوب بن موسى: سألت ابن المبارك من الأصاغر؟ قال: أهل البدع.
وعن شُعيب بن حرب قال: سمعت الثوري يقول: من سمع من مبتدعٍ لم ينفعه الله بما سمع، ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة!
قلت: كيف بمن يصافح طواغيت الكفر والفجور، ويجالسهم، ويجادل عنهم .. لا شك أنه أولى بما ذكره الثوري رحمه الله.
وكان مالك بن أنس يقول: لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممَّن سوى ذلك: لا يؤخذ من سفيه معلنٍ بالسَّفه وإن كان أروى الناس، ولا يؤخذ من كذابٍ يكذب في أحاديث الناس إذا جُرب ذلك عليه وإن كان لا يُتهم أنه يكذب على رسول الله، ولا من صاحب هوى يدعو الناس لهواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يُحدث!
4- الأكل بالدين: فيصون نفسه عما في أيدي الناس؛ فلا يُعلِّم الناس دينهم إلا إذا أعطي أجراً ومالاً .. ولا يؤم بالناس للصلاة إلا إذا أُعطي أجراً ومالاً .. ولا يقرئهم القرآن إلا إذا أخذ أجراً ومالاً على تعليمهم القرآن .. فهذا مسلك لا يليق بطالب العلم المخلص!
عن عبادة بن الصامت، قال: علَّمت ناساً من أهل الصُّفَّة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجلٌ منهم قوساً. فقلت: ليست بمالٍ، وارمي عنها في سبيل الله U، لآتينَّ رسول الله r فلأسألنه، فأتيته، فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمالٍ، وارمي عنها في سبيل الله، قال:" إن كنت تحبُّ أن تُطوَّقَ طوقاً من نارٍ فاقبلها ".
وكان عمر بن الخطاب يقول: يا أهل العلم والقرآن لا تأخذوا للعلم والقرآن ثمناً، فيسبقكم الدُّناة إلى الجنة!
وعن عيسى بن يونس قال: ما رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند الأعمش، مع فقره وحاجته!
قلت: وذلك لزهده بما في أيديهم ..!
فإن قيل: هل يُستفاد من ذلك عدم جواز أن يأخذ الرجل أجراً على تعليم الناس شؤون دينهم ..؟
أقول: إن كان من ذوي الحاجة، وكان متفرغاً لتدريس الناس شؤون دينهم .. جاز أن يُقتطع له ما تستقيم به معيشته .. وما سوى ذلك فلا .. والله تعالى أعلم!
5- الحرص على الشرف والرياسة والزعامة:مما يُفسد دين المرء حرصه على الشرف والرياسة، كما في الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" ما ذئبان جائعان أرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه "[[40]]. أي كما أن الذئاب لو تركت وأرسلت بين الغنم فتهلكها وتفسدها، كذلك الحرص على المال والشرف فإنه أشد ضرراً وإهلاكاً لدين المرء مما تحدثه تلك الذئاب الضارية في الغنم!
كم من حاكم ضحى بدينه .. وأمته .. وشعبه .. ووالى أعداء الأمة على الأمة .. بسبب حرصه على الشرف والرياسة .. وكم من حاكم غدر بمن حوله .. وقتل كل ـ من يخافه على حكمه وملكه ـ ظلماً وعدواناً .. وما حمله على ذلك إلا الحرص على الشرف والرياسة ..!
وكم من عالم حمله حب الشرف والقرب من السلاطين، والعمل عندهم .. على التخلي عن دوره وواجبه نحو دينه وأمته!
وهذا لا يعني ولا يُستفاد منه أن يتراجع العلماء عن قيادة وتوجيه الأمة، ويخلوا قيادة البلاد والعباد للفساق من أهل الكفر، والظلم والفجور .. كما هـو
ملاحظ في هذا الزمان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
6- استعجال قطف الثمار قبل نضجها: مما نحذر منه طالب العلم كذلك أن لا يستبق الأمور قبل أوانها .. فلا يستعجل الإفتاء قبل التمكن وقبل أن يكون أهلاً للإفتاء .. وقبل أن يلم بأدوات ولوازم الإفتاء .. ولا يستعجل التأليف قبل أن ينضج ويكون أهلاً لذلك .. ولا يستعجل التدريس والصعود على المنابر قبل التمكن والإعداد لذلك .. ولا يستشرف المهام الكبار قبل أن يكون أهلاً وكفأً لها .. فمن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه .. ومثله في ذلك مثل من يريد أن يتزبزب قبل أن يتحصرم .. ويتمشيخ قبل أن يمر بمراحل الطلب الضرورية!
إضافة إلى أنه ـ بسبب ذلك ـ قد يقع في أخطاء جسام ترتد عليه وعلى دينه وآخرته، وأمته بالسوء .. فيندم ولات حين مندم ..!
قال r:" من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه، ومن أُفتى بفتيا بغير ثبت فإنما أثمه على من أفتاه ".
وعن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله r، ما منهم رجل يُسأل عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه، ولا يُحدث حديثاً إلا يود أن أخاه كفاه!
وعن نعيم بن حماد، قال: سمعت ابن عيينة يقول: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً!
ـ نصائح عامة متفرقة:
هذه جملة من النصائح العامة نخص بها طالب العلم:
1- عدم الإكثار من الطعام إلى درجة التخمة، ومراعاة أن يكون ثلث المعدة للطعام، وثلث للماء، وثلث للهواء، كما هو وارد في السنة.
فإن الإكثار من الطعام يهيج الغرائز .. ويُلجئ صاحبه إلى الفتور والكسل ..
وهذا لا يتناسب مع الطلب .. ولا مع ذوي الهمم العالية من طلبة العلم!
2- لكل طالب علم حالتين: نشاط وفتور، فإن أدركته حالة النشاط التمس طلب الأمور الصعبة التي تحتاج إلى صبر وقوة، وعلو همة .. وشدّ ذهن .. ويدع الأمور السهلة التي لا تحتاج منه إلى مزيد عناء واجتهاد إلى حالة الفتور!
وعند حصول الفتور ننصح بقراءة الكتب التي تتناول مواضيع علو الهمة .. وسير الأعلام الأوائل من السلف الصالح .. وهي متوافرة ولله الحمد.
3- أن يحسن استغلال شبابه قبل شيخوخته، وصحته قبل سقمه ومرضه، وغناه قبل فقره وحاجته .. وفراغه قبل شغله!
فالأعمار محدودة .. والأوقات كذلك محدودة وضيقة .. قياساً لحجم المهام والأعمال الضخمة والكثيرة التي ينبغي أن يقوم بها المسلم، وبخاصة طالب العلم.
من أكثر ما يدهشني أن أجد طالب علمٍ يشكو الفراغ .. وعدم وجود ما يشتغل به مما ينفع به نفسه أو الآخرين!
4- الفراغ داء .. يُلجئ صاحبه إلى وساوس شيطانية .. دواؤه أن يُملأ بما ينفع .. فالشباب عطاء مستمر لا يوقفه ـ بل لا يقتله ـ إلا الفراغ ..!
فالطالب الناجح هو الذي لا يستسلم للفراغ .. ولا يهنأ به .. ويعمل دائماً على ملء وقته ـ وبطريقة مبرمجة ومنظمة ـ بما ينفع نفسه وأمته.
أنت تساوي وقتك وعمرك؛ أي ما قدمت في عمرك .. فكل ساعة أو دقيقة تذهب منك .. ينقص منك جزء إلى أن تنتهي منك جميع أجزائك .. ويُدركّ الموت .. فتندم على ما فرطت بحق نفسك وعمرك .. ولات حين مندم!
5- إن استعصت عليك مسألة فاطلبها والتمس حلها عند البكور .. فقد جعل خير هذه الأمة في بكورها .. كما ورد ذلك في الحديث.
فالعمل بعد الفجر أكثر بركة وثمرة من العمل بعد العشاء .. جرب إن شئت!
6- انصف الحق من نفسك .. ومن غيرك مهما علا كعبه وشأنه.. ولا
يحملنك سعة التحصيل والاطلاع على الكبر أو التعالي على الحق والخلق ..!
7- الرجوع عن الخطأ فضيلة وشرف .. لا تبتئس منه .. ولا تتردد من الإقدام عليه .. فمن دلك على خطئك فاشكره وجازه خيراً .. فهو خير لك ممن يُجاملك على باطلك وهو يعلم أنك على خطأ أو باطل!
فالأول نفعك وما ضرك .. والآخر ضرك وما نفعك!
وإن اعتذرت عن أمرٍ كنت قد أخطأت فيه .. فاعتذر عنه تحديداً .. ولا تتوسع بالاعتذار خشية أن تعتذر عن أمور تكون محقاً فيها .. فتُظهر الحقَّ الذي أنت عليه وكأنه باطل متهم!
8- اشهد على المحسن بأنه محسن وإن كان من خصومك .. وعلى المسيء بأنه مسيء وإن كان من أحبائك المقربين إليك .. فهذا من تمام العدل الذي أمرنا به ربنا I.
9- احذر أن تُضفي على مبتدع ضال عبارات التوقير، والتفخيم، والاحترام .. فتُضل سامعيك من الناس .. وتعمل على نشر بدعته بينهم وأنت لا تدري .. فيقولون لولا أن فلاناً من ذوي الشأن والفضل، وأنه على حق لما أثنى عليه فلان بتلك الألقاب والأوصاف .. لذا جاء الأثر بأن من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام!
ومن عادة أهل البدع في هذا الشأن أن يثنوا على أهل الحق بشيء من عبارات المديح والإطراء طمعاً في أن يُبادلهم أهل الحق بنفس الثناء والإطراء .. فيتحقق بذلك مرادهم؛ وهو إضلال الناس بتزكية أهل الحق لهم!!
10- ابتعد ـ ما استطعت ـ عن الفحش في الخطاب، أو استخدام عبارات السب، والطعن، واللعن ـ مهما دعت الحاجة لذلك ـ فالمسلم ليس بطعانٍ ولا لعان، ولا بذيء ..!
11- جالس من تنتفع منه أو ينتفع منك .. وما سوى ذلك من المجالس
فاعتزلها ..!
12- خالط الناس ما وجدت في ذلك نفعاً لك ولهم .. فإن انتفت الفائدة فاعتزل .. واعلم أن الخلطة حينئذٍ تكون مضيعة للأوقات والطاقات .. وسبباً لحصول المنغصات والمكدرات .. لا خير فيها!
13- إذا سألت عن مسألة .. فاسأل استرشاداً وطلباً للحق، وإذا أجبت على سؤالٍ فأجب على من يسألك استرشاداً وطلباً للحق .. واعتزل المراء والجدال ما استطعت .. فإنه يوغر الصدور .. وفي الغالب لا يوصل إلى النتائج المرجوة!
14- إن وعظت وحدَّثت الناس .. فتخوّلهم النصح .. ولا تملهم الحديث، فقد كان النبي r يتخوّل أصحابه النصح خشية السآمة ..!
واحذر أن تحدث الناس وهم لحديثك كارهون .. أو عنه مشغولون ..فيقل انتفاعهم من حديثك .. وإنما حدثهم وهم لحديثك راغبون متشوقون .. ومقبلون!
15- لا تتشدد في المواطن التي يجوز فيها التيسير والتساهل .. ولا تتساهل في المواطن التي تجب فيها الحدة .. ويجب فيها الغضب لله U!
وهذا فقه قلّ من يتنبه إليه ..!!
16- لا تغضب لنفسك إن استطعت .. وليكن غضبك كله لله U ..!
17- إن جالست أهل التفريط والتقصير فحدثهم عن آيات الوعيد والعذاب ومقتضياتها .. وذكِّرهم بأن الله تعالى شديد العقاب.
وإن جالست أهل الإفراط والتشدد والغلو .. والقنوط من رحمة الله .. فحدثهم عن آيات الوعد والرحمة ومقتضياتها .. وذكرهم بأن الله تعالى غفور رحيم.
18- الإفراط والتفريط .. الغلو والجفاء .. خلقان مذمومان .. ومذهبان باطلان .. وهما محببان للشيطان .. يسلكهما مع عباد الله .. فمن استعصى عليه عن طريق الغلو والإفراط، جاء به عن طريق الجفاء والتفريط .. ومن استعصى عليه عن طريق الجفاء والتفريط، جاء به عن طريق الغلو والإفراط .. ولا يسلم منه إلا من
سلمه الله تعالى وهداه.
وبينهما طريق وسط .. قلّ سالكوه .. وهو طريق الحق والاعتدال الذي يحبه الله تعالى .. وارتضاه لعباده المؤمنين .. ويبغضه الشيطان .. وأصحاب النفوس المريضة .. فمن سلكه فقد رشد ونجا .. ومن انحرف عنه فقد ضل وهلك .. وهو الطريق الذي ننصح به أنفسنا وطلاب العلم.
19- لا تتوسع في شؤون دنياك .. فإنها تُشغلك عما نهضت لأجله .. واعلم أن ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى!
20- نظِّم وقتك بحيث تعطي كل ذي حقٍّ حقه من غير إفراط ولا تفريط: فلربك عليك حقاً .. ولنفسك عليك حقاً .. ولأهلك ورحمك عليك حقاً .. ولإخوانك وأصحابك عليك حقاً .. ولأضيافك عليك حقاً .. ولجارك عليك حقاً .. والمسلمون بعامة لهم حق عليك .. وأمّتك لها حق عليك .. فاعطِ كل ذي حقٍّ حقه ومن دون أن يطغى حقٌّ على حق!
وأداء الحقوق كلها هي من جملة حق الله عليك إن روعي فيها المتابعة، والإخلاص والتجرد لله U.
21- ابتعد عن مواطن اللهو والعبث ما استطعت .. فإنها لا تليق بطالب العلم الجاد، كما أنها ـ إن عُرفت بها ـ تقلل من شأنك في أعين الناس .. وتُسيء للعلم الذي منحك الله إياه ..!
22- ابتعد عن التكلّف والتصنّع .. ولتكن مع نفسك والناس كما أنت .. واحذر أن تتشبع بما لم تُعط .. أو تتظاهر للناس بما ليس فيك .. فإن ذلك من الكذب والزور .. والرياء!
23- لا تترفع عما يجب عليك فعله .. مما أذن الله به .. ولا تستحِ منه .. وإن كان ذلك الفعل أن تحمل على كتفيك حزمة من حطب .. تكف بثمنها نفسك
وأهلك!
الاستحياء يكون من اقتراف المحرمات .. والحوم حولها .. لا مما أحل الله تعالى
وأوجبه ..!
24- احرص على الاستقلال الاقتصادي .. والعمل الحر .. ما استطعت .. فإن العمل الوظيفي عند الآخرين يؤثر على حريتك .. وحرية تفكيرك وقرارك!
25- ليكن إنفاقك على نفسك وأهلك أقرب للاقتصاد .. من غير إسرافٍ ولا تقطير .. فإنه أدوم للنعمة وأبرك.
26- لا تصاحب إلا تقياً مؤمناً .. يعينك على أمر دينك وآخرتك .. إن نسيت ذكّرك .. وإن أسأت نصحك وقوّمك .. وإن أصبت أيدك ونصرَك .. وإن استأمنته على أمرٍ حفظك وسترك .. وإن غبت عنه استفقدك .. وإن احتجته في شيءٍ أجابك .. يكون أقرب إليك في الضراء منه إليك في السراء .. تملُّه ولا يمَلّك .. فهذا يُساوي جبلاً من ذهبٍ وأزْيَد!
27- اعلم أن للعلم طغياناً .. كما أن للغنى وجاه الرياسة طغياناً .. فلا يحملنك طغيان العلم على الظلم والتعدي .. واحتقار الخلق .. ورد الحق!
ولطغيان العلم علامات:
منها: احتكار الآراء، والأقوال، والأفهام؛ فلا رأي إلا رأيك، ولا قول إلا قولك، ولا فهم إلا فهمك .. ولا فتوى إلا فتواك ..!
ومنها: اعتبار قولك صواباً لا يحتمل الخطأ .. وقول غيرك خطأ لا يحتمل الصواب ..!
ومنها: احتقارك للآخرين، وبخاصة منهم أقرانك من طلاب العلم .. وازدراؤك بأقوالهم وآرائهم ..!
ومنها: انتفاء التواضع والذلة للمؤمنين ..!
ومنها: الاستخفاف بعقول الآخرين .. وبأعمالهم .. واجتهاداتهم .. وأنهم ليسوا على شيء!
ومنها: سرعة الغضب عندما يُعقب عليك بقول أو فهم مغاير لقولك أو فهمك .. بغض النظر عن مدى صحة التعقيب من عدمه .. وكأنك فوق التعقيب أو أن يُقال لك أخطأت!
ومنها: أن لا تقبل نصحاً .. ولا توجيهاً .. ولا إرشاداً من أحد .. وكأنك فوق ذلك كله ..!
ومنها: أن تجد في نفسك حرجاً من الرجوع إلى الحق فيما تخطئ فيه ..!
ومنها: الشعور بنشوة الاستعلاء على عباد الله .. وأنك شيء آخر ومختلف .. وكأنك من طينة أخرى غير طينة بني آدم ..!
هذه بعض علامات طغيان العلم .. فأيما علامة تُبتلى بها فاعلم أنك مصاب بلوثة طغيان العلم .. أعاذنا الله جميعاً من طغيان العلم ولوثاته .. وكل أنواع الظلم والطغيان!
إلى هنا تنتهي النصائح العامَّة .. وبالانتهاء منها ينتهي ـ بفضل الله ومنته ـ الجواب على السؤال الوارد في مطلع هذا الكتاب .. نسأل الله تعالى علماً نافعاً، وفهماً واسعاً، وقلباً خاشعاً .. صادقاً .. وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والعمل به .. والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
* * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد سألني بعض الأخوة والأخوات أن أخط لهم سُلَّماً تدريجياً يوضح لهم المراحل التي ينبغي أن يسلكها ويمر بها طالب العلم وهو يطلب العلم الشرعي .. والكتب أو المراجع التي يعتمدها في جميع مراحل الطلب .. منذ المرحلة الأولى الابتدائية من الطلب .. ومروراً بالمرحلة المتوسطة .. وانتهاء بالمرحلة العليا المتقدمة من طلب العلم؟
وقبل أن أجيب السائلين عن سؤالهم هذا أود أن أشير أولاً إلى أمرٍ هام يتعلق بالمنهج في الطلب وتلقي العلم، وهو أن الطالب ـ منذ اللحظة الأولى من الطلب ـ ينبغي أن يدرب نفسه على الاتباع وليس التقليد ـ وشتان شتان بين المرتبتين والمنهجين ـ ويتحقق له ذلك باستقاء علمه نقياً مباشرة من النبع الأصيل المتمثل في الكتاب والسنة، على ضوء فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ من السلف الصالح .. ولكي يتسنى له ذلك يلزمه أن يأخذ المسائل الفقهية والعلمية بأدلتها الشرعية الصحيحة من الكتاب والسنة .. فيتحرى الدليل الصحيح الراجح في كل مسألة يتبناها .. بعيداً عن التعصب لأقوال المذاهب والرجال .. وترجيحاتهم المجردة عن النص، والنص الصحيح.
ولكي يتحقق لطالب العلم ذلك لا بد من أن يُنشَّأ على المنهج والمراجع التي تحقق له هذا المطلب العظيم .. وهذا الذي سنراعية ـ إن شاء الله ـ عند تحديد المنهج والمراجع التي ننصح بها طالب العلم في جميع مراحل الطلب[[42]].
ولكي تتضح الصورة أكثر سأقسم مراحل الطلب إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الابتدائية، والمرحلة المتوسطة، والمرحلة العليا المتقدمة.
كما سأقسم المواد الخاصة لكل مرحلة من مراحل الطلب الآنفة الذكر إلى عشرة مواد: مادة العقيدة والتوحيد، ومادة الفقه، ومادة فقه الجهاد والسياسة الشرعية، ومادة التفسير، ومادة الأصول، ومادة السيرة النبوية، ومادة الحديث، ومادة الأدب والحقوق والرقائق، ومادة الفِرَق والجماعات، ومادة فقه الواقع، والمذاهب الفكرية المعاصرة[[43]].
أولاً: المرحلة الابتدائية:
1- مادة العقيدة والتوحيد: أعلام السُّنَّة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، للحافظ بن أحمد الحكَمي. شروط لا إله إلا الله، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية[[44]]: ملة إبراهيم دعوة الأنبياء والمرسلين، لأبي محمد المقدسي. هذه عقيدتنا وهذا الذي ندعو إليه، للفقير.
2- مادة الفقه:اللُّبابُ في فقه السُّنة والكتاب، لمحمد صبحي حلاق. أو الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز، لعبد العظيم بدَوي. صِفة صلاة النبي r، لمحمد
ناصر الدين الألباني.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: أحكام الجنائز وبدعها، لمحمد ناصر الدين الألباني. حَجَّةُ النبي r لمحمد ناصر الدين الألباني. حكم تارك الصلاة، للفقير.
3- مادة فقه الجهاد والسياسة الشرعية: كتاب فقه الجهاد، لابن تيمية. وهو يمثل الجزء الثامن والعشرين من كتاب الفتاوى. الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه، لعلي بن نفيع العلياني. لماذا الجهاد في سبيل الله ( الجزء الأول والثاني )، للفقير.
4- مادة التفسير: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن ناصر السعدي.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الموسوعة القرآنية المُيسَّرة، لمجموعة من العلماء. وهو عبارة عن مجلد واحد.
5- مادة الأصول:شرح نظم الورقات، لمحمد بن صالح العثيمين.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية:مذكرة أصول الفقه على الروضة الناظر، لمحمد الأمين الشنقيطي. الاعتصام، لأبي إسحاق الشاطبي.
6- مادة السيرة النبوية:صحيح السيرة النبوية، لإبراهيم العلي.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: مختصر سيرة الرسول r، لمحمد بن عبد الوهاب، وعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
7- مادة الحديث:شرح الأربعين النووية، لمجموعة من العلماء: ( النووي، ابن دقيق العيد، عبد الرحمن السعدي، ابن العثيمين ).
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي.( وهو مرجع جامع يصلح أن يُفرَز لأكثر من مادة ).
8- مادة الأدب والحقوق والرقائق:صحيح الأدب المفرد، للبخاري، تحقيق الألباني. حقوق وواجبات شرعها الله للعباد، للفقير. البلاء أنواعه ومقاصده، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الآداب، للبيهقي. مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة المقدسي، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط.
9- مادة الفِرَق والجماعات:محاضرات في النصرانية، لمحمد أبو زهرة. التحفة المقدسية في مختصر تاريخ النصرانية، لأبي محمد المقدسي. الشيعة الروافض طائفة شرك وردة، للفقير. صفة الطائفة المنصورة التي يجب أن تُكثر سوادها، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الشيعة والتشيع فِرَق وتاريخ، لإحسان إلهي ظهير. الشيعة والقرآن، لإحسان إلهي ظهير. العواصم من القواصم، للقاضي أبي بكر العربي.
10- مادة فقه الواقع، والمذاهب الفكرية المعاصرة: واقعنا المعاصر، لمحمد قطب. حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية، للفقير. صراع الحضارات مفهومه وحقيقته وواقعه، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية:العلمانية، لسفر الحوالي. الإرهاب معناه وواقعه من منظور إسلامي، للفقير.
ثانياً: المرحلة المتوسطة:
1- مادة العقيدة والتوحيد: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف، لمحمد بن سعيد القحطاني.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: العبودية، لابن تيمية. القول المفيد على كتاب التوحيد، لمحمد بن صالح العثيمين. مختصر العلو للعلي الغفار، للذهبي، اختصار وتحقيق محمد ناصر الدين الألباني. الطاغوت، للفقير.
2- مادة الفقه:الروضة النديَّة شرح الدُّرر البهية، لمحمد صديق حسن خان.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: النسخة الأخيرة المحققة من كتاب فقه السنة، لسيد سابق. جزء الفقه من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيّم الجوزية. جلباب المرأة المسلمة، لمحمد ناصر الدين الألباني.
3- مادة فقه الجهاد والسياسة الشرعية: أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله U في الفقه الإسلامي، لمرعي بن عبد الله بن مرعي. حكم استحلال أموال المشركين لمن دخل في أمانهم وعهدهم من المسلمين، للفقير. [ الإعداد أنواعه وحكمه وأهميته، وفصل الكلام في مسألة الخروج على الحكام، ومسائل هامة في بيان حال جيوش الأمة، حالات يجوز فيها إظهار الكفر، ركائز الحكم في الدولة الإسلامية ]، وهي عبارة عن مجموعة أبحاث ومقالات للفقير. الجهاد والسياسة الشرعية مناصحة ومكاشفة للجماعات الجهادية المعاصرة، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الغياثي؛ غِياث الأمم في التياث الظُّلَم، لأبي المعالي عبد الملك الجويني. قسم كتاب الجهاد وحكم المرتد من كتاب الدُّرر السَّنيَّة في الأجوبة النجدية، لمجموعة من علماء نجد. الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية. السياسة الشرعية، لابن تيمية.
4- مادة التفسير:مختصر تفسير القرآن العظيم المسمى عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، اختصار وتحقيق أحمد محمد شاكر.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل، للبغوي. أحكام القرآن، لابن العربي.
5- مادة الأصول:أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: تقريب الوصول على علم الأصول، لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جُزَيِّ الكلبي الغرناطي، تحقيق وتعليق محمد المختار الشنقيطي. العذر بالجهل وقيام الحجة، للفقير.
6- مادة السيرة النبوية:جزء السيرة النبوية من كتاب زاد المعاد، لابن قيم الجوزية. الرحيق المختوم، لصفي الرحمن المباركفوري.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: هذا الحبيب محمد رسول الله r، لأبي بكر الجزائري.
7- مادة الحديث:رياض الصالحين، للنووي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفِكَر، لابن حجر العسقلاني، شرح محمد بن صالح العثيمين.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: مختصر صحيح مسلم، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. مختصر صحيح البخاري المسمى التجريد الصريح، لزين الدين الزبيدي.
8- مادة الأدب والحقوق والرقائق:الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن قيم الجوزيَّة.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن قيم الجوزيَّة. وعدة الصابرين، لابن قيم الجوزيَّة. روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن قيم الجوزيَّة.
9- مادة الفِرَق والجماعات:الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، مانع بن حمَّاد الجهيني. إمتاع النظر في كشف شبهات أهل التجهم والإرجاء، لأبي محمد المقدسي. الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن
الطواغيت، للفقير. القاديانية دراسات وتحليل، لإحسان إلهي ظهير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الصواعق المرسلة على الجهمية المعطلة، لابن قيم الجوزية. تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهم والإرجاء، لأبي محمد المقدسي. ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي المعاصر، لسفر الحوالي. القاديانية، لأبي الأعلى المودودي.
10- مادة فقه الواقع، والمذاهب الفكرية المعاصرة: مذاهب فكرية معاصرة، لمحمد قطب. معالم في الطريق، لسيد قطب.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الجهاد والاجتهاد تأملات في المنهج، لأبي قتادة. مصطلحات ومفاهيم شرعية علاها غبار تأويلات وتحريفات المبطلين، للفقير.
ثالثاً: المرحلة العليا المتقدمة:
1- مادة العقيدة والتوحيد: معارج القبول بشرح سُلَّم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، للحافظ بن أحمد الحَكَمي. تهذيب شرح العقيدة الطحاوية، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة، لأبي القاسم هبة الله اللالكائي. العقيدة الواسطية، لابن تيمية. الإيمان، لابن تيمية. مجموعة التوحيد، لعدد من العلماء، العقائد الإسلامية، لسيد سابق. أعمال تُخرج صاحبها من الملة، للفقير. الرسالة الثلاثينية في التحذير من الغلو في التكفير، لأبي محمد المقدسي. قواعد في التكفير، للفقير.
2- مادة الفقه: نيل الأوطار، للشوكاني. أو سُبل السلام، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: المغْني، لابن قُدامة. جزء الفقه من كتاب مجموع الفتاوى، لابن تيمية. المُحلَّى، لابن حزم. الاستذكار، لابن عبد البَر. الأم،
للشافعي.
3- مادة فقه الجهاد والسياسة الشرعية: العمدة في إعداد العدة، لعبد القادر بن عبد العزيز. الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة، للفقير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى الفرَّاء. الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، لمحمد خير هيكل. شرح كتاب السِّيَر الكبير، لمحمد بن حسن الشيباني. أحكام أهل الذمة، لابن القيم.
4- مادة التفسير: تفسير جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: فتح القدير، للشوكاني. تفسير القرطبي، المسمى الجامع لأحكام القرآن. التفسير الكبير، لابن تيمية. في ظلال القرآن، لسيد قطب.
5- مادة الأصول:الرسالة، للشافعي، تحقيق أحمد شاكر.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الموافقات، لأبي إسحاق الشاطبي. قسم أصول الفقه من كتاب الفتاوى، لابن تيمية. شرح القواعد الفقهية، لأحمد محمد الزرقا.
6- مادة السيرة النبوية: السيرة النبوية، لابن كثير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: السيرة النبوية، لابن هشام. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، لعلي محمد الصَّلابي.
7- مادة الحديث: صحيحي البخاري ومسلم. صحيح الجامع الصغير، لمحمد ناصر الدين الألباني. السلسلة الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، صحيح السنن الأربعة: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، لمحمد ناصر الدين الألباني. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، لابن كثير، تحقيق أحمد شاكر.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: الهادي لحفظ صحيح البخاري بإسناده العالي حسب ترتيب المعجم الهجائي، وحسب رواية الصحابي، لابن مقصد ثامر محمود جاسم. ضعيف الجامع الصغير، للألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني. ضعيف السنن الأربعة: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، للألباني. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير.
8- مادة الأدب والحقوق والرقائق:الآداب الشرعية والمِنَح المرعيَّة، لمحمد بن مفلح المقدسي.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: علو الهمة، لمحمد إسماعيل المقدم. صيد الخاطر، لعبد الرحمن بن الجوزي. الزهد والرقائق، لابن المبارك.
9- مادة الفِرَق والجماعات:الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية. دراسات في التصوف، لإحسان إلهي ظهير.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: منهاج السنة، لابن تيمية. الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم الظاهري. جزء التصوف من كتاب الفتاوى، لابن تيمية. مظاهر الانحرافات الصوفية وأثرها السيئ على الأمة الإسلامية، لإدريس محمود إدريس.
10- مادة فقه الواقع، والمذاهب الفكرية المعاصرة: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير، والاستشراق، والاستعمار، لعبد الرحمن حسن حبنَّكة الميداني. مكايد يهودية عبر التاريخ، لعبد الرحمن حسن حبنَّكة الميداني.
ـ مراجع مساعدة غير أساسية: مقومات التصور الإسلامي، لسيد قطب. طريق الدعوة في ظلال القرآن، لسيد قطب[[45]].
إلى هنا نكون ـ بفضل الله تعالى ومنته ـ قد انتهينا من تحديد المنهج والسُّلَّمِ العلمي الذي ينبغي لطالب العلم أن يسلكه في جميع مراحله: الابتدائية، والمتوسطة، والعليا.
فإن قيل: ماذا بعد المرحلة العليا ..؟!
أقول: تأتي مرحلة الانطلاق والغوص في بحر العلم الواسع وفي كل اتجاه .. تأتي مرحلة البحث والاجتهاد والعطاء .. وهذا طريق طويل مبارك لا نهاية له.
فإن قيل: هل يُمكن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة متقدمة في الطلب قبل الانتهاء من المرحلة التي قبلها؟
أقول: هذا يعود للطالب وإمكانياته وقدراته العلمية والذهنية .. فهو أدرى بنفسه وعليه أن يستفتي نفسه ولو أفتاه المفتون .. فإن وجد في نفسه القدرة على ذلك .. فله أن يفعل لا حرج .. وإلا فعليه أن يصبر وأن لا يتعجَّل ويتعدى المراحل قبل استيفائه حقها .. فمن أراد أن يتزبزب قبل أن يتحصرم، فهو واهم .. ومن تعجّل شيئاً قبل أوانه عُوقِب بحرمانه!
فإن قيل: هل يُمكن للطالب أن يتجاوز المراحل الثلاثة الآنفة الذكر بمفرده من دون شيخ ولا مُعلم؟
أقول: هذا يعود إلى مدى تمكن الطالب من علوم الآلة .. وقدرته على الفهم والاستيعاب .. وهذا يختلف من طالب إلى طالب .. ومن مادة إلى مادة .. وهو أدرى بنفسه وبقدراته .. فوسائل الطلب عديدة .. وميسَّرة .. وسهلة التناول لمن شاءها .. والشرح تراه متبوعاً بشروحات وتعليقات عدة .. تجلي الغوامض .. والغريب من الألفاظ والإطلاقات .. تجعل قليل الفهم يفهم!
وأنا هنا لا أريد أن أقلل من دور الشيخ أو المعلم في العملية التعليمية .. فدوره هام جداً ـ وبخاصة لمن كان في المرحلة الأولى من الطلب ـ ومن كان محظوظاً بقرب شيخ أو معلم منه .. أو طالب علم متقدم .. فليتمسك به .. ويعض عليه بالنواجذ من غير إيلام له! .. لكن أيضاً لا نريد ولا يجوز أن نقطع عليه سبل طلب العلم .. ونيأسه .. إن لم يتوفر بجواره الشيخ أو المعلم الذي يرجع إليه!
والذي أنصح به في هذه الحالة، أن يستمر الطالب في الطلب .. فإن واجهته مسألة أو بعض المسائل قد استعصت أو أشكلت عليه .. فلا ييأس ولا يقنط .. فليلجأ أولاً إلى الدعاء بأن يسهلها الله عليه ويفهِّمها له .. ثم يقوم بتسجيل تلك المسألة أو المسائل على دفتر خاص بالمسائل المستعصية عليه .. وبشيء من الترتيب والتنظيم .. ثم عند أقرب فرصة له تمكنه من الالتقاء أو الاتصال بأحدٍ من أهل العلم الذي يثق به وبعلمه .. يُبادر مباشرة إلى توجيه ما استطاع من تلك الأسئلة والمسائل التي أشكلت عليه .. وهذا مُيسَّر فعله لطالب العلم .. فما أكثر الدعاة والعلماء .. والمواقع الإلكترونية العلمية التي تستقبل الأسئلة من طلاب العلم .. وما أقلَّ من يُقبل عليهم .. بل لا أبتعد عن الحقيقة لو قلت أن طلاب العلم في هذا العصر يعيشون زمن فشو القلم والكتاب .. والترف العلمي .. وإلى درجة الإسراف!
ـ سؤال آخر: كثير هم الذين يسألون: كيف للمرء أن يكتسب مهارات الكتابة والبحث والتأليف .. ويُصبح كاتباً معطاءً؟!
أقول: يتحقق للمرء ذلك ـ بإذن الله ـ بعدة أمور:
منها: غزارة المطالعة والاطلاع .. بحيث تقرأ ـ فيما ينفعك في دينك ودنياك ـ في اليوم الواحد مالا يقل عن خمس ساعات!
ومنها: تلخيص بعض الأبحاث التي تعتقد أنها هامة بالنسبة لك .. وتحتاجها لنفسك وأبحاثك المستقبلية .. فالتلخيص يُعين على اكتساب مهارة الكتابة .. ومهارات أخرى كالجلادة على الطلب .. وتحسين الخط وغيرها .. وهذا معناه أن تستخدم يدك وقلمك في عملية التلخيص بعيداً عن الكمبيوتر وأزرار الطباعة.
ومنها: تسجيل الفوائد العلمية التي تمر بها خلال القراءة والمطالعة على دفتر خاص بذلك .. ويُستحسن لكل فائدة أن تضع لها عنواناً يناسبها ويُعرِّف بها .. ولك في نهاية تسجيل الفائدة أن تسجل ملاحظتك أو تعليقك عليها إن وجد .. وعند امتلاء الدفتر بالفوائد، لك أن تصنع لهذه الفوائد فهرساً ـ في نهاية الدفتر ـ يسهل عليك الرجوع للفائدة التي تريدها من خلاله بوقت وجيز!
هذه الفوائد قد ترجع إليها وتستفيد منها ـ في أبحاثك المتخصصة ـ في مراحلك المتقدمة من الطلب .. وأصارحكم القول: أنني أملك دفتراً من هذا القبيل .. كنت قد سجلت فيه بعض الفوائد العلمية منذ أكثر من عشرين عاماً .. لا أزال إلى الساعة أرجع إليه في كثير من الأبحاث التي أكتبها اليوم .. فما من بحث أكتبه إلا وأجد في دفتري هذا فائدة أو أكثر تخصه .. وهذا الدفتر لمكانته عندي .. فهو ألصق كتبي ودفاتري بي .. وعند حصول السفر والترحال لا أقبل أن يُشحن مع بقية كتب المكتبة .. وإنما يُحمل باليد .. وفي الحقيبة اليدوية مباشرة!!
ومنها: الشروع في إعداد بعض المقالات والأبحاث القصيرة الهامة بالنسبة لك .. والتي تشعر أنك تملك حولها مخزوناً فائضاً من المعلومات .. تمكنك من الشروع في الكتابة والعطاء .. وربما إضافة شيء جديد .. فتحتفظ بها لنفسك .. لتعيد النظر فيها فيما بعد .. عندما تشعر بقوة عودك وعطائك، وقلمك .. واستقامة فكرك ومنهجك .. فعندها تقرر نشرها أم لا .. وحذار أن يدفعك الحماس على الإسراع في النشر .. فتعرض نفسك للنقد والتجريح .. وما أنت بغنى عنه .. فتندم على ما خرج منك قبل أوانه، ولات حين مندم!
ومنها: أن يكون عندك قضية شريفة وهامة تقلق وتهتم لأجلها .. وتدافع عنها .. تريد إظهارها .. وإيصالها للآخرين .. فمثل هذا يكون حافزاً مشجعاً للمرء على الكتابة .. وعلى اكتساب مهارات ومتطلبات الكتابة والبحث والتأليف .. بخلاف من لا يملك قضية يهتم لأجلها .. فمثل هذا ـ حتى لو كثرت قراءته واتسع اطلاعه ـ يفقد الحافز على الكتابة .. ويفقد الجلادة والصبر على اكتساب متطلبات ومهارات الكتابة والتصنيف!
هذه مجمل وأهم الأمور التي تُعين المرء على الكتابة والتصنيف .. والتوفيق أولاً وآخراً من الله تعالى .. فلله الأمر من قبل ومن بعد .. يهدي من يشاء لما يشاء .. ويُضل من يشاء .. نسأله تعالى الثبات والسداد والتوفيق .. والرشد في الأمر كله .. وأن يفقهنا في الدين .. وأن يجعل الصعب منه علينا سهلاً .. فإنه لا سهل إلا ما جعله سهلاً .. وأن يجعل عملنا ومسعانا كله خالصاً لوجهه الكريم .. إنه تعالى سميع قريب مجيب، وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى أله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
24/3/1423 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
4/6/2002 م. أبو بصير الطرطوسي
* * * * *
الفهرس
الموضوع الصفحة
السؤال عن إعداد مذكرة في طلب العلم ............. 2
أهمية وفضل طلب العلم ............................. 2
الإخلاص في طلب العلم ............................. 5
ميزان لضبط طلب العلم ............................. 9
طريقة في القراءة ..................................... 10
قراءة مرشَّدة ......................................... 11
قراءة غير مرشّدة ..................................... 13
كيفية القراءة ......................................... 13
طريقة تحصيل العلم عن طريق السمع ................. 15
طريقة مرشّدة ....................................... 15
طريقة غير مرشّدة ................................... 16
الأخذ عن العلماء وطريقة التعامل معهم .............. 16
إن جالست عالماً ماذا تفعل .......................... 18
القراءة في الكتب ................................... 19
مكتبة طالب العلم .................................. 20
ترتيب الأولويات عند القراءة والطلب .............. 25
الذي نوصي به .................................... 27
لماذا التوحيد أولاً .................................. 27
أمور تعين على الفهم والطلب ...................... 29
1- الإخلاص ..................................... 29
2- الدعاء ........................................ 29
الموضوع الصفحة
3- تقوى الله، والابتعاد عن المعاصي ................. 29
4- الكسب الحلال والمطعم الحلال .................. 31
5- الحرص والإرادة العالية .......................... 31
6- التواضع للعلم وأهله ............................ 32
7- مذاكرة العلم مع الأقران الصالحين ............... 33
مزالق نحذر منها ..................................... 34
1- كتمان العلم وقت الحاجة إليه ................... 34
2- القرب من سلاطين الكفر والجور ................ 36
3- الاستماع لأهل البدع والأهواء والتلقي عنهم .... 38
4- الأكل بالدين ................................... 39
5- الحرص على الشرف والرياسة ................... 40
6- استعجال قطف الثمار قبل نضجها ............... 41
نصائح عامة متفرقة .................................. 41
ملحق: حولَ " السُّلَّم التدريجي في طلبِ العلم " ....... 48
المرحلة الابتدائية ..................................... 49
المرحلة المتوسطة ..................................... 51
المرحلة المتقدمة العليا ................................ 54
كيف للمرء أن يكتسب مهارات الكتابة والبحث
والتأليف ............................................ 58
الفهرس ..................
[4] صحيح الجامع: 4212.
[5] أخرجه أبو داود وغيره، صحيح الترغيب: 68. قلت: ومن إرث الأنبياء جهادهم وعملهم .. وصدعهم بالحق .. وتضحيتهم وصبرهم على تبليغ الرسالة للآخرين .. فهذا كله يدخل في الإرث الذي ينبغي أن يرثه العلماء من الأنبياء.
[6] أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[7] أخرجه ابن ماجه وغيره، صحيح الترغيب:74.
[8] صحيح سنن ابن ماجه: 196.
[18]مما أذكره في هذا الصدد اجتماعاً عاماً ضم عدداً لا بأس به من طلاب العلم في الأردن مع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .. وفي الوقت الذي كان يتكلم الشيخ فيه قام أحد الإخوان ليوزع أوراقاً مكتوب فيها قصيدة تحض على طلب العلم .. فانشغل الإخوان بالأوراق .. وارتفعت أصواتهم .. كل واحد منهم ينادي الأخ بأن يعطيه نصيبه من هذه الأوراق .. فأوقف الشيخ كلامه .. واعتذر عن الاستمرار في الحديث .. واستأذن بالانصراف ..!
[41] هذا الملحق أصله مقال كتبناه بصورة مستقلة، كجواب عن سؤال وجه إلينا، وذلك بتاريخ 3/10/1428 هـ. 15/10/2007 م. ولمناسبته لموضوع هذا الكتاب ألحقناه به.
[42] هذا المنهج وهذه الخطة لكي يستفيد منها طالب العلم ـ بصورة جيدة ـ لا بد له من أن يملك ابتداءً الحد المقبول من الفهم وعلوم الآلة؛ كالقراءة والكتابة الصحيحتين، والضروري من علم النحو والإعراب.
[43] كثير من المراجع التي سنذكرها تصلح أن تُدرَج وتُفرز تحت أكثر من عنوان ومادة .. ولكن سنعتمد الصفة
الراجحة والغالبة لها، وعلى ضوء ذلك سنفرز الكتاب أو المرجع ونضعه في الخانة ـ أو تحت المادة ـ المناسبة له والأقرب إليه.
[44] الذي نعنيه من قولنا " مراجع مساعدة غير أساسية "؛ أي أنها مراجع هامة يُستحسن الاطلاع عليها .. لكن لا يُعتبر الاطلاع عليها شرطاً للانتقال إلى المرحلة التالية.
[45] جميع ما تقدم من ذكر للمراجع والكتب .. فإننا نستحسن تحري النسخ المحققة منها والمخدومة طباعياً .. لأن ذلك يسهل على الطالب الطلب والفهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك معنا برايك تعليققك يهمنا و رايك يهمنا