مؤلفات الشيخ الداعية محمد بن عبد الوهاب
الخطب المنبرية
للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
قام بالمقابلة والتصحيح الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد بن عبد الرزاق الدويش
( الخطبة الأولى لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب )
الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون ، وبعدله ضل الضَّالون . لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون . أحمدهُ سبحانه حمد عبد نزه ربه عما يقول الظالمون . وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له . وسبحان الله رب العرش عما يصفون . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله الصادقُ المأمون . اللهمّ صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين هم بهديه مستمسكون . وسلِّمْ تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله حقَّ تُقاته . وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته . وأجيبوا الداعيَ إلى دار كرامته وجناته . ولا تغرنّكُم الحياةُ الدنيا بما فيها من زهرةُ العيش ولذّاته . فقد قَرُبَ الرحيل وذُهِبَ بساعات العمر وأوقاته . واعلموا أن الخير كله بحذافيره في الجنة ، فأدلجوا في السير إليها . والشر كله بحذافيره في النار ، فاجتهدوا في الهرب منها . ألا وأن الدنيا عَرَض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، والمؤمن والكافر . والآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قاهر .
فلا تغُرَّنّكُم الحياة الدنيا فإنها دار بلاء ، ومنزلُ ترحة وعناء . نَزَعَتْ عنها نفوسُ السعداء , وانتُزعت بالكره من أيدي الأشقياء ، وحال بينهم وبيم ما أمّلوه القدر والقضاء . ضُربت لكم بها المقاييسُ والأمثال . وقُرِّبت لكم الحقيقةُ بالشبه والمثال ، فقال صلى الله عليه وسلم "مالي وللدنيا . إنما مَثَل الدنيا كراكب قال في ظل دَوْحة" .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إنّما مَثَلُ الحياةِ الدُّنيا كماءٍ أنزلناهُ من السماءِ فاختلط به نباتُ الأرضِ مما يأكلُ الناسُ والأنعام ، حتى إذا أخَذتِ الأرضُ زُخْرُفَها وازَّينتْ وظنَّ أهلُها أنهم قادرون عليها أتاها أمرُنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حَصِيداً كأن لم تَغْنَ بالأمس ، كذلك نُفَصل الآياتِ لقوم يتفكّرون . واللهُ يدعو إلى دار السّلامِ ويهدي مَن يشاءُ إلى صِراطٍ مستقيم . للّذين أحسنوا الحسنى وزيادَة ، ولا يَرْهَقُ وجوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلّة ، أُولئك أصحابُ الجنة هم فيها خالدون . والذينَ كسبوا السيئاتِ جزاءُ سيئةٍ بمثلِها وتَرهقُهم ذِلّة ، ما لهم من الله من عاصم ، كأنّما أُغشِيتْ وجُوهُهُمْ قِطعاً من الليلِ مُظلماً أُولئك أصحابُ النار هم فيها خالدون } بارك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمد لله العلي العظيم القادر ، هو الأولُ والآخر والباطن والظاهر ، عالم الغيب والشهادة المطلع على السرائر والضمائر . خلق فقدَّر ودبّر فيسر ، فكل عبد إلى ما قَدَّره عليه وقضاه صائر . أحمده سبحانه على خفيّ لطفه ، وجزيل بره المتظاهر . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا مظاهر . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات والبصائر . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن على سبيله إلى الله سائر . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى ، واعملوا ليوم تنكشف فيه السرائر ، وتظهر فيه مخبآت الصدور والضمائر ، وتدور فيه على المجرمين الدوائر . وتحصى فيه الصغائر والكبائر . يُرفع فيه لواءُ الخزي لكل ناكث للعهد غادر . تُنصب فيه موازين الأعمال وتنشر الصحائف ، فكل عبد إلى ما قدمه لنفسه صائر . فآخذٌ كتابه بمينه وآخذ كتابه بشماله يا خيبةَ الظالم والفاجر ، ويا سعادة من استجاب لله ورسوله من ذوي الإيمان والبصائر .
فاتقوا الله عباد الله فإن تقواه أنفع الوسائل والذخائر ، ولا تكونوا كالذين بدّلوا نعمة الله كفراً ولم يلتفتوا إلى ما أمامهم من الموارد والمصادر .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وكلَّ إنسانٍ ألزمناهُ طائرَه في عنقهِ ونُخرجُ له يومَ القيامة كتاباً يلقاه منشورا . اقرأ كتابَكَ كفى بنفسك اليومَ عليك حسيبا . مَنِ اهتدى فإنّما يهتدي لنفسِه ، ومَنْ ضلّ فإنّما يضِلُّ عليها ؛ ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخرى ، وما كنّا مُعَذِّبينَ حتى نَبْعَثَ رسولا . وإذ أرَدْنا أن نُهلِكَ قَريةً أمرنا مُتْرَفِيها ففَسقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فَدَمّرْناها تدميراً . وكم أهلكْنا من القُرونِ مِنْ بَعْدِ نوحٍ ، وكفى بربِّك بذُنوبِ عِباده خبيراً بَصيراً }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمد لله الذي ظهر لأوليائه بنعوتِ جلاله . وأنار قلوبَ أصفيائه بمشاهدة صفات كماله . وتحبب إلى عباده بما أسداه إليهم من إنعامه وإفضاله . أحمده سبحانه حمدَ عبد أخلص لله في أقواله وأفعاله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معين في تدبيره وأفعاله . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي أنعم الله على جميع أهل الأرض ببعثه وإرساله . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى جميع أصحابه وآله وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعدُ فيا أيها الناس اتقوا اللهَ تعالى فإنَّ تقواه عليها المعوَّل . واشكروه على ما أولاكم من الإنعام والخير الكثير وخَوَّل . وعليكم بما كان عليه السلف الصالح والصدرُ الأوَّل . وتدبروا ما جاء به نبيُّكم محمد صلى الله عليه وسلم من الحكمة والكتاب المنزَّل . واعتبروا بمن كان قبلكم ممن علا في الأرض وأمّل وتموَّل . فجاءهم هاذِمُ اللذات وكان الأجل مما أمّلوه أعجل . وسطا بهم رَيْبُ المنون مسرعاً فما توانى في أخذهم وما أمهل . فاستحال النعيم عذاباً ، وانعكس القصد وتحوّل . فاتقوا الله عبادَ اللهِ وحاسبوا أنفسكم قبل القدوم على الله . قال أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية"
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { فإذا نُفخَ في الصُّور فلا أنسابَ بينهُم يومئذ ولا يتساءَلون . فَمَن ثَقُلَتْ مَوازينُه فأولئك همُ المُفْلِحون . ومَنْ خَفّتْ مَوازينُه فأولئك الذين خَسِروا أنفُسَهم في جهنمَ خالدون . تَلفَحُ وُجوهَهُمُ النارُ وهم فيها كالحون . ألمْ تكنْ آياتي تُتْلى عليكم فكنتم بها تُكذِّبون . قالوا ربّنا غَلَبَتْ علينا شِقْوَتُنا وكنا قوماً ضالّين . ربّنا أخرجنا منها فإن عُدْنا فإنّا ظالمون . قال اخْسَئُوا فيها ولا تُكلِّمون . إنه كان فريقٌ من عبادي يقولون ربّنا آمنّا فاغْفرْ لنا وارْحمْنا وأنت خيرُ الراحمين . فاتّخَذْتُموهم سِخْرِيّا حتى أنسَوْكم ذِكري وكنتم منهم تَضْحَكون . إني جَزَيْتُهُم اليومَ بما صَبروا أنّهمْ همُ الفائزون } بارك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله المحمود على كل حال . الموصوف بصفات الجلال والكمال . المعروف بمزيد الإنعام والإفضال . أحمدُه سبحانه وهو المحمود على كل حال ، وفي كل حال . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله الصادق المقال . اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله حق تُقاته . وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته . وأجيبوا الداعيَ إلى دار كرامته وجناته . ولا تغرّنكم الحياة الدنيا بما فيها من زهرة العيش ولذاته . فقد قَرُب الرحيل ، وذُهب بساعات العمر وأوقاته . ألا وإن المؤمن بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه ، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه . فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن صحته لمرضه ، ومن حياته لموته ، ومن غناه لفقره ، فوالله ما بعدَ الموت من مُسْتَعْتَب ، وما بعد الموت من دار إلا الجنةُ أو النار . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الكيّسُ من دان نفسَه وعمِلَ لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسَه هواها وتمنى على الله الأماني"
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { ليس بأمانِيكمْ ولا أمانِيّ أهلِ الكتاب ، مَنْ يَعْملْ سُوءاً يُجزَ بهِ ولا يجد له من دونِ الله ولياً ولا نصيراً . ومن يَعْمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخلونَ الجنةَ ولا يُظْلمون نَقِيرا }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل . لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله العليّ الأعلى ، الذي خلق فسوَّى ، والذي قدَّر فهَدى . له ملكُ السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى . الملكُ الحقُّ المبين الذي على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى ، وقد وسعَ كلَّ شيءٍ رحمة وعلماً . أحمده سبحانه وبحمده يَلْهجُ أُولو الأحلام والنهى . وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عالم السر والنجوى . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعدُ فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى ، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى . فقد طال إعراضُكم عن النبأ العظيم تغافلا وجهلا . وكثر اشتغالكم بالعَرض الخسيس الأدنى . وصار إقبالكم على ما يصدُّ عن الصراط السويّ والهدى . أما أيقظكم ما رأيتموه من حوادث القَدَر والقضا . أما أنذركم ما سمعتموه من أخبار من كذب وعصى . ومن أعرض عما جاءت به الرسل وغلب عليه الشقاء والهوى . كيف وجدوا عقوباتِ الذنوب ، وكيف كان الحال بمن بغى وطغى . بلغتهُم دعوة الرسل فلم يجيبوا . ورُفعت إليهم المواعظ فلم يلتفتوا ولم ينيبوا . فجاءهم أمر الله بغتة وأصيبوا . فهل تحسُّ منهم من أحد أو تسمعُ لهم رِكْزا . سل عنهم تلك القصورَ الدامرة ، والقبورَ الدائرة ، والعظامَ الناخرة . وكيف كان السؤال والجواب ، وهل وجدوا لهم من دون الله ملجأ ووزرا . فاتقوا الله عباد الله واعملوا ليوم العرض والجزاء . ولا تكونوا ممن أعرض عن ذكر ربه ولم يُرد إلا الحياةَ الدنيا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيها الناسُ اتقوا ربّكُم واخْشَوْا يوماً لا يَجْزِي والدٌ عن وَلَدِه ولا مَوْلودٌ هو جازٍ عن والدهِ شيئا ، إنَّ وَعْدَ اللهِ حقُّ فلا تغرَّنّكُم الحياةُ الدنيا ولا يغرَّنّكُم بالله الغَرُور . إنَّ اللهَ عنده علمُ الساعة وينزِّل الغيث ويعلَمُ ما في الأرحامِ ، وما تَدْرِي نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً ، وما تدري نفسٌ بأيِّ أرض تَموت ، إن الله عليمٌ خبير }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل . لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ للهِ الذي أنزل على عبدهِ الكتابَ ولم يجعل له عِوَجا ، فصَّلَ وبَيّن وقرّر صراطاً مستقيماً ومنهجاً . ونصب ووضّح من براهين معرفته وتوحيده سلطاناً مبيناً وحججاً . أحمده سبحانه حمدَ عبد جعل له من كل همّ فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا . وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، شهادةً ترفع الصادقين إلى منازل المقربين درجا . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي وضع الله برسالته عن المكلفين آصاراً وأغلالا وحرجا . اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خير الأنام طريقة وأهداهم منهجاً . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله حقَّ تقواه ، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه . فقد خلقكم لأمر عظيم . وهيأكم لشأن جسيم . خلقكم لمعرفته وعبادته ، وأمركم بتوحيده وطاعته . وجعل لكم ميعاداً تجتمعون فيه للحكم فيكم وفصل القضاء بينكم ، فخاب وشقى عبد أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء وجنة عرضها السموات والأرض . وإنما يكون الأمان غداً لمن خاف واتقى ، وباع قليلا بكثير ، وفانياً بباق ، وشقوة بسعادة . عباد الله ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين تتقلبون ، ويستخلفها بعدكم الباقون . ألا ترون أنكم في كل يوم تشيّعون غادياً ورائحاً إلى الله قد انقضى أجله وانقطع عمله فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير ممهد ولا موسّد قد خلع الأسباب ، وفارق الأحباب ، وواجه الحساب . فاتقوا الله عباد الله وبادروا بالتوبة قبل أن يغلق الباب ، ويسبل الحجاب .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ، وإنّما تُوَفَّوْنَ أجورَكمْ يوم القيامة ، فمن زُحْزِحَ عن النارِ وأُدْخِلَ الجنةَ فقد فاز ، وما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغُرور }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله فاطرِ الأرض والسموات . عالم الأسرار والخفيات . المطلع على الضمائر والنيات . أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء رحمة وحلماً . وقهر كل مخلوق عزة وحكماً ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفَهم ولا يحيطون به علماً . لا تدركه الأبصار ، ولا تغيره الدهور والأعصار ، ولا تتوهّمه الظنون والأفكار . وكل شيء عنده بمقدار ، أتقن كلَّ ما صنعه وأحكمه ، وأحصى كلَّ شيء وعَلَمه ، وخلق الإنسان وعلّمه . أحمدُه سبحانه على ما ألهمه من معلوم وفهّمه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف الحق والتزمه . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صدع بالحق وأسمعه ، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسائر من نصره وكرمه . وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله حق التقوى . واعرفوا ما دلت عليه هذه الكلمة من الحقيقة والمعنى . وتفطنوا لتفاصيل ذلك على القلوب والأعضاء وتدبروا كتاب الله واعرفوا ما فيه من العلم والهدى . وعالجوا به أمراض القلوب فهو الدواء النافع والشفاء وهو السبب الأعظم في حصول السعادة والسيادة في الآخرة والأولى . مَن تركه من جبار قصمه الله ، ومَن ابتغى الهدى من غيره أضله الله ، ومَن أعرض عنه استحوذ عليه الشيطان وتولاه . فهو حبل الله المتين . ونوره المبين . وصراطه المستقيم .
قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه : عليكم بالقرآن فإنه نور بالليل وهدًى بالنهار . فاعملوا به على ما كان من فقر وفاقة . فإن عرض بلاء فقدّم مالك دون نفسك . فإن تجاوز البلاء فقدم نفسك دون دينك . فإن المحروب مَن حُرِبَ دينه ، والمسلوب من سُلبَ دينه . إنه لا فاقة بعد الجنة ولا غنىً بعد النار . إن النار لا يُفكُّ أسيرها ولا يَسْتغني فقيرها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { قال اهْبِطا منها جميعاً ، بعضُكمْ لبعضٍ عَدُوّ ، فإمّا يأتينّكُمْ مِنّي هُدًى فمن اتّبَع هُدَايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقى . ومن أعرض عن ذِكري فإنَّ له مَعِيشةً ضَنْكا ونحشُره يومَ القيامة أعمى . قال رَبِّ لِمَ حَشرتَني أعمى وقد كنتُ بَصيرا . قال كذلك أتتكَ آياتُنا فنَسيتَها وكذلك اليومَ تُنْسى . وكذلك نَجْزِي مَن أسرفَ ولم يُؤمنْ بآياتِ ربِّه ولَعذابُ الآخرةِ أشَدُّ وأبقى }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل . لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمد لله الكريم الذي أسبغ نعمه علينا باطنةً وظاهرة ، الرحيم الذي لم تزل ألطافه على عباده متوالية متظاهرة ، العزيز الذي خضعت لعزته رقاب الجبابرة . والقويِّ المتين الذي أباد من كذّب رسله من الأمم الطاغيةِ الكافرة . أحمده حمد عبد لم تزل ألطافه عليه متتابعة متواترة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة في الدار الآخرة . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات الباهرة . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه النجوم الزاهرة ، وسلمْ تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى ، فإن في تقواه كل خير جزيل . واحذروا أخذه وعقابه فإنه أليم وبيل . عباد الله ما هذا التكاسل وقد جاء الرحيل . وما هذا التغافل وقد وضح السبيل . وصار الأمر أوضح من أن يحتاج إلى دليل . أغرَّكم الغَرور بما أبداه من التسويف والتأميل . أم عندكم من الله عهد هو بالنجاة والسعادة كفيل . أم قد ظننتم حصول السلامة مع الإعراض عن معرفة الحق والدليل . ورجوتم نيلَ الفلاح وقد هجر فيما بينكم الوحي والتنزيل . هيهات هيهات خلاص الأكثرين واللهِ مستحيل .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { أفلَمْ يَهْدِ لهمْ كمْ أهلَكْنَا قبلَهمْ مِنَ القرونِ يمشون في مساكنهم ، إنَّ في ذلك لآياتٍ لأولي النُّهى . ولولا كلمةٌ سَبَقَتْ من ربِّك لكان لِزاماً وأجَلٌ مُسَمّى . فاصبرْ على ما يقولون وسَبح بحمد ربّكَ قبلَ طلوع الشمسِ وقبل غُروبها . ومِنْ آناء الليل فَسَبحْ وأطرافَ النهار لعلّكَ ترضى }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله الذي له ما في السموات وما في الأرض . وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير . أحمده سبحانه على ما أسداه وأولاه من الإنعام والإكرام والخير الكثير . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا ظهير . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله السراج المنير والبشير النذير . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومَن على سبيله إلى الله يسير . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله حق تقواه ، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه . فقد خلقكم لأمر عظيم . وهيأكم لشأن جسيم . خلقكم لمعرفته وعبادته وأمركم بتوحيده وطاعته . وأخذ على هذا مواثيقكم ، وارتهن بحقه نفوسكم ، ووكَّل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ، ويكتبون ما تعملون . وإن قوماً جعلوا أعمارهم لغيرهم وسعيهم لنيل حظوظهم وشهواتهم العاجلة ولم يلتفتوا إلى ما خلقوا له ففجأهم ريب المنون ، وأخذوا وهم كارهون ، وحيل بين القوم وبين ما يشتهون ، ثم ردّوا إلى الله مولاهم الحق وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون . وحاق بهم ما كانوا يعملون . وهذا كتاب الله لا تفنى عجائبه . ولا يطفأ نوره ولا يضل متبعه . فاستضيئوا منه ليوم الظلمة ، واستمسكوا منه بأوثق شافع في كل خطب وملمة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { ألَمْ أعْهَدْ إليكمْ يا بني آدمَ أنْ لا تَعْبُدوا الشيطانَ إنه لكمْ عدوُّ مبين . وأنِ اعبدوني هذا صِراط مستقيم . ولقد أضلَّ منكم جِبِلا كثيراً أفلمْ تكونوا تعقِلون . هذهِ جهنَم التي كنتمْ تُوعَدُون . اصْلَوْها اليومَ بما كنتمْ تكفُرون . اليومَ نَختِمُ على أفواهِهمْ وتُكَلّمُنا أيديهمْ وتَشْهَدُ أرجُلُهمْ بما كانوا يَكْسِبُون . ولو نَشَاءُ لَطَمَسْنا على أعْيُنِهمْ فاستَبَقُوا الصراطَ فأنّى يُبْصِرون . ولو نَشاء لَمَسَخْناهم على مكانتهِم فما استَطاعوا مُضِيّاً ولا يَرْجِعون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمد لله الملك العزيز العلام . العليِّ العظيم الكريم السلام ، غافر الذنب وقابل التوب من جميع الآثام . أحمده سبحانه على ما اتصف به من صفات الجلال والإكرام . وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها الفوزَ بدار السلام . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به الإيمان والإسلام . اللهم صلي على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تقية من خاف وحذر واستقام ، والتزموا ما أوجبه عليكم من حقوق الإيمان والإسلام . وأحبوه تعالى بما غذاكم به من سوابغ المن والإنعام . واشكروه على ما أولاكم من جزيل الفضل والإكرام . عباد الله قد وضح السبيل فما هذا الإعراض والإحجام . وقد استُمع النذير فما هذا الإخلاد والدار ليست بدار مقام . هل يقنع بالسوم في هذه الدار ويرضاه لنفسه إلا أشباه الأنعام . عباد الله قد سار المؤمنون وشمروا إلى دار السلام . وصاموا عن محارم الله والآثام . فما أفطروا إلا يوم القدوم على الملك السلام . فنالوا من كرامته ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الأنام . إن الله غرس جنة عدن بيده فقال لها : تكلمي ، قالت { قَدْ أفْلَحَ المؤْمنون }
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم { قد أفْلَحَ المؤْمنون الذينَ همْ في صلاتهْمْ خاشِعون . والذين هم عن اللغو مُعْرِضون . والذين همْ للزكاةِ فاعلون . والذين هم لِفُروجِهِمْ حافِظونَ . إلاّ على أزواجهم أو ما مَلَكَتْ أيمانُهم فإنهمْ غيرُ مَلُومِينَ . فمن ابتَغى وراءَ ذلكَ فأولئكَ همْ العادُونَ ، والذين همْ لأماناتِهم وعَهْدِهمْ راعون ، والذينَ همْ على صَلواتهمْ يحافظون أُولئك هُم الوارِثون الذين يَرِثون الفِرْدَوْسَ هم فيها خالدون } .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله الغني الحميد ، المبديء المعيد ، ذي العرش المجيد ، الفعال لما يريد . أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء شهيد . أحمده سبحانه على ما أولاه من الإنعام والإكرام والتسديد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحميد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من دعا إلى الإيمان والتوحيد . اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم من صالحي العبيد . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس . اتقوا الله تعالى حق التقوى . وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى . وإياكم والاغترار بزهرة الحياة الدنيا . فقد اغتر بها قوم قبلكم فأوردهم موارد العطب والردى . أسكرتهم برونقها فما أفاقوا إلا وهم في عسكر الموتى . كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وعدداً . كانوا أطول منكم آمالا وأحسن أثاثاً ومنظراً . سرت إليهم الأقدار فما ونت في سيرها وما أبقت منهم أحداً . فما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون لمّا نزل بهم القدر وقرب المدى . وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ولم يجدوا لهم من دونه موئلا وملتحداً . فانتبهوا رحمكم الله واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وكم مِنْ قَريةٍ أهْلَكْناها فجاءها بأسُنا بياتاً أو هُمْ قائلون . فما كان دَعْواهُمْ إذ جاءهم بأسُنا إلا أن قالوا إنّا كنّا ظالِمين . فَنَسألنّ الذين أُرسِلَ إليهم ولنَسْألنَّ المُرْسَلين . فلنقصَّنَّ عليهم بعلمِ وما كنا غائِبين . والوزنُ يومئِذٍ الحقُّ فمن ثَقُلَتْ مَوازينُه فأولئكَ هُم المفلحون . ومن خَفّتْ موازينهُ فأولئكَ الذين خَسِروا أنفُسَهُمْ بما كانوا بآياتِنا يَظْلمون }
بارك الله لي ولكل في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله عالم الغيب والشهادة ، القادر على تنفيذ ما قدّره وأراده . الحكيم في كل شيء قضاه حتى العجز والكيس والشقاوة والسعادة . أحمده سبحانه حمد عبد عظم رجاؤه للمغفرة والزيادة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعْظِمْ بها من شهادة . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين السادة . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه نجوم الهداية والإفادة . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى فإن تقواه أربح تجارة وبضاعة . واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر ربه وأضاعه . وعليكم بما كان عليه السلف الصالح والجماعة . فخذوا بهديهم وما كانوا عليه في المعتقد والعمل والسّمت والطاعة . واحذروا الظلمَ فإن الظلم عار ونار وشناعة . عباد الله . ما هذه الجراءة على ذي العزة والجلال . وما هذا الإعراض عن واسع الأنعام والأفضال . عباد الله ، هل تعي قلوبكم من النصح ما يقال . أم قد حال دون ذلكم الرانُ والأقفال تالله . لتسألُنّ عن الرسول ومن أرسله وما جاء به وما قد قال . فأعدّوا جواباً منجياً مطابقاً عند السؤال . قبل أن يفجأ الأجل ويحال بينكم وبين الآمال .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وكمْ قَصَمْنا مِنْ قريةٍ كانتْ ظالمةً وأنشأنا بعدَها قوماً آخرين . أحسُّوا بأسَنا إذا هم منها يَرْكُضُون . لا تركُضوا وارجِعوا إلى ما أتْرِفْتُم فيه ومَسَاكِنكمْ لعلّكمْ تُسْألُون ، قالوا يا وَيْلَنا إنّا كنّا ظالِمين . فما زالتْ تلك دَعْواهم حتّى جَعَلْناهمْ حَصِيداً خامِدين } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة له أيضاً )
الحمدُ لله الذي عمّتْ آلاؤه جميعَ مخلوقاته . فأبى أكثرُ الناس إلا كفوراً . ونصب من الآيات الباهرات ما دل على وحدانيته فعميت بصائر الكافرين والمنافقين فما زادتهم إلا نفورا . وبصّر المؤمنين في التفكير في آياته فأشرقت قلوبهم بالإيمان به مَنّا منه وتيسيراً . فسبحانه من قسّام ما أعْدله ، ومن قهار ما أحلمه ، ومن جواد ما أكرمه ، ومن عليم ما أعلمه ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا يغادر صغيراً ولا كبيراً . أحمده سبحانه حمد عبد عرفه حق معرفته . وأشكره شكراً كثيراً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في إلهيته ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى فقد أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فاشكروه ، وأوصاكم بالتمسك بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فاقبلوا وصية ربكم وأطيعوه . ولا تجعلوا أمره ونهيه وراء ظهوركم فيهلككم كما أهلك من قبلكم لمّا آسفوه . وتقربوا إليه بشكر نعمه عليكم وراقبوه ، فكم نعمة آتاكم وكم فتنة وقاكم وكم عدو كفاكم ، فاشكروه عباد الله على ما أولاكم ، فالسعيد من استعمل ما أوتيه من النعم في طاعة خالقه ومربيه ، والشقي من صرفه في إرادته وشهواته ولم يؤدّ حق الله تعالى الواجب فيه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وإذ قال مُوسى لِقومه اذْكرُوا نعمةَ اللهِ عليكم إذْ أنْجاكمْ مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومونَكم سُوء العَذابِ ويُذَبِّحُونَ أبْناءَكم ويَسْتَحْيونَ نِساءَكمْ وفي ذلِكمْ بَلاءٍ من ربِّكم عظيم . وإذْ تَأذَّنَ ربُّكمْ لئنْ شَكرتمْ لأزِيدَنَّكمْ ولئنْ كفَرْتمْ إن عَذابي لشديد . وقال موسى إن تكفُروا أنتمْ ومَن في الأرضِ جميعاً فإنَّ اللهَ لغنيُّ حميد }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة عند دخول رمضان له أيضاً )
الحمد لله الذي خصّ بالفضل والتشريف بعض مخلوقاته . وأودع فيها من عجائب حِكمِه وبديع إتقانه ، ما شهدت العقول السليمة بأنها من أكبر آياته . خلق فقدّر ، ودبّر فيسّر . وربك أعلم حيث يجعل رسالاته . ويختص من شاء بفضله وكراماته ، أحمده حمد عبد يعلم أنه هو المحمود على جميع أقضيته وأحكامه وتدبيراته . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما يستحقه على العبد من طاعاته وعباداته . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به الإسلام بعد اندراس قواعده وأفول شموخه ونسيان آياته . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له على دينه ومحبته وموالاته ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تُقاته . وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته . قبل انصرام العمر وفوات أوقاته وساعاته . واعلموا أنه قد نزل بساحتكم شهر كريم ، وموسم عظيم ، خصّه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم ، أنزل فيه القرآن العظيم . وفرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه على غيرها ولا يستقيم . وسنّ قيامه نبيكم الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ،
ففي الحديث "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وفيه أيضاً "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" .
وفي الحديث "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيُّها الذين آمنوا كتِبَ عليكُم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلّكمْ تتّقون ، أيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمنْ كان منكم مريضاً أو عَلَى سَفَرٍ فعِدَّةٌ من أيام أُخَر ، وعلى الذين يُطيقونهُ فِدْيَةٌ طعامُ مِسْكين ، فمن تطوَّع خيراً فهو خيرٌ له ، وأنْ تصوموا خيرٌ لكمْ إن كنتم تعلمون ، شهرُ رَمضانَ الذي أُنْزِلَ فيه القرآنُ هُدًى للناسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهدَى والفُرْقان ، فمنْ شَهِدَ منكُم الشهرَ فلْيَصُمْه ومَن كان مَرِيضاً أو على سَفَرٍ فعدَّةٌ منْ أيّامٍ أُخَر ، يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بكمُ العُسْر ولِتكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتكبِّروا الله على ما هَداكمْ ولعلّكم تَشْكرون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( الخطبة التي بعدها في رمضان )
الحمد لله الذي وفّق عبادَه المؤمنين لتلاوة كتابه الكريم ، وفتح عليهم من حقائق المعارف ولطائف العلوم ما عداهم به إلى صراطه المستقيم . وخصهم من مواهب برِّه وإحسانه بأسنى فضله العميم ، ومن على من شاء بالصدق في معاملته ، والله ذو الفضل العظيم أحمده سبحانه على ما أولاه من التعليم . واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله النبي الكريم . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على الدين القويم وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تقواه ، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه . واحذروا أسباب سخطه ، فإن المؤمن من خاف الله واتقاه . عباد الله إنكم في شهر كريم ، وموسم عظيم ، متجر أولياء الله الصالحين . ومطلب الراغبين إلى الله في العتق من عذاب الجحيم . شهر تفتح فيه أبواب الجنات . وتجاب فيه الدعوات . وينشر الفضل العميم . شهر تكفر فيه السيئات . وتضاعف فيه الحسنات . وتقال فيه العثرات . ويكتب فيه منشور السعادة والتكريم .
فعظموه رحمكم الله بالقراءة والتكبير والركوع والسجود والتهليل والتسبيح والتحميد ، وأكثروا في أيامه من الصدقة والإحسان إلى الفقير والمسكين واليتيم . واحذروا ما يبطل العمل من الفعل السيء والقول الذميم . ففي الحديث ( عنه صلى الله عليه وسلم قال ) : "من لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه" وفيه أيضاً "رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوعُ والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { سابِقوا إلى مَغفِرةٍ من ربّكمْ وجنّةٍ عَرْضُها كعَرْض السماءِ والأرض أُعِدَّتْ للذين آمنوا باللهِ ورُسُله ذلك فضلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ واللهُ ذو الفضل العظيم } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطب بعدها )
الحمدُ لله الذي وفق عباده المؤمنين لأداء الأعمال الصالحات ، وشرح صدورَ أوليائه المتقين للإيمان بما جاء به رسوله من الحكمة والآيات ، وكشف عن قلوب أحبابه حجب الجهالة والضلالات ، ويسر لهم من الباقيات الصالحيات ما يتبوّأون به منازل الجنات ، فضلا منه ونعمة وربك يخلق ما يشاء ويختار من المخلوقات . أحمده سبحانه على ما له من الأسماء الحسنى والصفات ، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والبركات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها رفيع الدرجات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ذوي الهمم العاليات ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى فإن بتقواه تحصل السعادة والنجاة ، واجتهدوا في طاعته فقد أفلح من اجتهد في الطاعات ، وعليكم بالصدق في معاملته فقد خاب من كذب الله في المعاملات ، وأخلصوا له القصد والنية فإنما الأعمال بالنيات ، وخصوا هذا الشهر العظيم بمزيد الطاعات والإكثار من الحسنات ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، وتعرضوا لنفحات بره فإن لله في أيام دهركم نفحات ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال "آمين آمين آمين" فقيل له : يا رسول الله ، إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين . فقال "أتاني جبرائيل عليه السلام فقال : يا محمد رغم أنف امريء دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له ، قل آمين ، فقلت آمين ، ثم قال : رغم أنف امريء أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، قل : آمين ، فقلت : آمين . ثم قال : رغم أنف امريء ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك ، قل : آمين ، فقلت : آمين".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبرائيل فيدارسه القرآن ، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وإذا سَألك عبادي عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعْوةَ الداع إذا دعان فلْيَسْتجيبوا لي ولْيُؤْمنوا بي لعلّهم يَرْشدون }. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة بعدها لرمضان )
الحمدُ لله العظيم الشأن ، الكبير السلطان ، خلق آدمَ من طين ثم قال له كن فكان ، أحسن كل شيء خَلْقه وأبدع الإحسان والإتقان ، أحمده سبحانه وحمدُه واجبٌ على كل إنسان ، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه حملة العلم والقرآن ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى حق تقواه ، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه ، واعملوا ليوم ترجعون فيه إلى الله ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير مُحْضَراً وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وهل ينفع المجرمَ ما يتمناه ، يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور ، وينشر المكتوب والمسطور ، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، يوم يكشف للعبد غطاء عينيه ، ويعرف محصول عمله وما لديه ، ولا يروج البهرج يومئذ منه ولا عليه . يومئذ يعض الظالم على يديه أسفاً على ما اقترفه وما جناه ، فاتقوا الله عباد الله وبادروا إلى ما يحبه الرب من العمل ويرضاه ، واعلموا أن أفضل شهركم هذا عَشْرُه الأخيرة ، فيها ليلة مباركة فيها يُفرق كل أمر حكيم ، وتكتب الحوادث والتدبير ، يصل فيها الربُّ ويقطع ، ويعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويميت ويحيي ، ويسعد ويشقي ، وتجري أقلام القضاء والتقدير ، فعظموها رحمكم الله تعالى بالقيام والركوع والسجود والقراءة والتكبير ، والتمسوها في أفراد العشر كما جاء بذلك الخبر عن البشير النذير . قالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" وقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشدّ المئزر .
وقال صلى الله عليه وسلم "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { إنّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدْر ، وما أدراك ما ليلةُ القدر ، ليلةُ القدر خيرٌ من ألفِ شهر ، تَنَزَّل الملائكةُ والرُّوح فيها بإذنِ ربِّهم من كل أمر ، سلامٌ هي حتى مَطْلع الفجر }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة بعدها آخر رمضان )
الحمدُ لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، عالم ما يُسِرُّه العبد وما يخفيه ، أحصى عليه خطرات فكره وكلمات فيه . من توكل عليه كفاه ووجد كفايته خيرا من توقيه ، ومن تواضع له رفعه وزاد بقدر تواضعه في ترقيه ، أحمده سبحانه وأتوب إليه وأستغفره وأستهديه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق كل شيء وهاديه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله معلم الإيمان وداعيه ، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ومن حمدت في الإسلام سيرته ومساعيه ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس . اتقوا الله تعالى والتمسوا من العمل ما يحبه ويرضيه ، وسارعوا إلى مغفرته وجنته فالمؤمن مَنْ يرجو الله ويتقيه ، ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطان فإنه يضل من اتبعه ويغويه ، ويأمره بالفحشاء والمنكر وإلى طريق الجحيم يهديه . عباد الله هذه العبر تمر بكم كل وقت وحين . وكتاب الله يقص عليكم نبأ المكذبين والمعرضين ويحذركم ما نزل بمن عصى رسله من الجبارين والمتكبرين { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسْكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين } .
عباد الله ، هذا شهر الصيام قُوّضت خيامه وتَصرَّمت أوقاته وأيامه . فمن أحسن فعليه بالإتمام ، والشكر لله على التوفيق والإسلام ، ومن فرط وأضاع فيما مضى من الأيام ، فعليه بالتوبة وحسن الختام ، فإن الأعمال بخواتيمها . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "أول هذا الشهر رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار"
واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير ، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال : كنا نعطيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط ووقتها يوم العيد قبل الصلاة ، ويجوز إخراجها قبله بيوم أو يومين ،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيها الذين آمنُوا لا تُلْهِكُمْ أموالكُمْ ولا أولادُكم عن ذِكْرِ اللهِ ومن يَفْعلْ ذلك فأولئك هُم الخاسرون ، وأنْفِقوا ممّا رَزَقْناكم مِنْ قبلِ أنْ يأتي أحدَكم الموتُ فيقول ربِّ لولا أخرتَني إلى أجل قريبٍ فأصَّدَّق وأكُنْ منَ الصالحين . ولنْ يُؤخرَ الله نفساً إذا جاء أجلُها والله خبير بما تعملون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة عيد الفطر )
الله أكبر ( تسعاً نَسَقاً ، ثم يقول ) : الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر ، الله أكبر عدد ما هَلّل مهلّل وكبّر ، الله أكبر عدد ما التزم الملتزم ، الله أكبر عدد ما أفيض هناك من عبرة وندم ( الله أكبر كلما أهلوا من الميقات محرمين ) الله أكبر كلّما يَمّمُوا عرفة ملبّين "الله أكبر كلما سعوا بين المروة والصفا ، الله أكبر كلما هبطوا وادياً أو عَلَوْا شَرَفاً ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . الحمد لله الذي سهَّل للعباد طريق العبادة ويسر . وأفاض عليهم من خزائن جوده التي لا تحصر . وجعل لهم عيداً يعود في كل عام ويتكرر . نقّاهم به من دون الذنوب وطهَّر . فما مضى شهر الصيام إلا وأعقبه أشهر الحج إلى بيته المطهّر . أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصر . وأشكره وهو المستحق لأنْ يُحْمدَ ويشكر . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فقدّر ، ودبّر فيسر . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب اللواء والكوثر . نبي نُصر بالرعب مسيرة شهر حتى إنه ليخافه ملك بني الأصفر . نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومع ذلك قام على قدمه الشريف حتى تفطر . اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ما لاح هلال وأنور ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أنه ليس السعيد من أدرك العيد ولبس الجديد ، وخدمته العبيد ، إنما السعيد من اتقى الله فيما يبدي ويعيد ، وفاز بجنة نعيمها لا يفنى ولا يبيد ، ونجى من نار حرها شديد وقعرها بعيد ، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم الصديد ، ولباسهم القطران والحديد . عباد الله الصلاة الصلاة ، فمن حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ، واعلموا أن الله تعالى أمركم ببر الوالدين وصلة الأرحام ، والصبر على فجائع الأيام ، والإحسان إلى الضعفاء والأيتام ،
قال تعالى { وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا }
واجتنبوا الربا في المبايعات فإنه من أكبر السيئات ، ومن السبع الموبقات ، قال تعالى { يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إن كنتم مُؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذَنوا بحربٍ من اللهِ ورسوله } . عباد الله أوفوا المكاييل والموازين ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ،
قال تعالى { ويْلٌ للمطَفِّفينَ الذينَ إذا اكتالوا على الناس يَسْتَوفونَ وإذا كالوهمْ أو وَزنوهم يُخْسرون . ألا يظن أولئك أنهمْ مَبْعوثون ليومٍ عظيم } . ووقروا اليمين بالله في الخصومات ،
ففي الحديث " من اقتطع مال امريء مسلم بيمينه لقى اللهَ وهو عليه غضبان" ، قالوا : يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً ؟ قال "وإنْ كان قضيباً من أراك" .
أيها الناس ، حجوا البيت الحرام ، فإن حجه أحد أركان الإسلام ، يكفر الله به جميع الذنوب والآثام ، قال تعالى { وإذْ بَوَّأنا لإبراهيمَ مكانَ البيتِ أنْ لا تشركَ بي شيئاً وطهِّرْ بيتيَ للطائفينَ والقائمينَ والركّعِ السُّجود . وأذِّنْ في الناسِ بالحجِّ يأتوكَ رِجالا وعلى كل ضامِرٍ يأتينَ مِنْ كلِّ فَجٍ عميقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافعَ لهم ويَذْكروا اسمَ اللهِ في أيّام معلوماتٍ على ما رَزَقَهم مِن بَهِيمةِ الأنعام } . الله أكبر الله أكبر . لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
( الخطبة الأخيرة )
الله أكبر ( سبعا نسقاً ) الحمد لله الذي خلق آدم من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين . قسمهم بعلمه إلى أصحاب شمال وأصحاب يمين . قسمة كتبت فكتبت ، غير أن للسعادة والشقاوة عنواناً يستبين . أحمده سبحانه حمد أوليائه المتقين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين .
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه وعظموا أمره ولا تعصوه . وعليكم بغضّ البصر فإن النظرة سهم من سهام إبليس .
قال تعالى { قُلْ للمؤْمِنينَ يَغُضوا من أبصارِهم ويَحْفَظوا فُروجَهم ذلك أزكى لهمْ ، إنَّ الله خبيرٌ بما يصنعون . وقُلْ للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِن أبصارهِن ويحفظنَ فُروجَهنّ ولا يُبدين زينتَهُنَّ إلا ما ظهر منها } الآية .
واجتنبوا الخُيَلاء والإسبال في الثياب ، فإن ذلك محرم بنص السنة والكتاب ، قال تعالى { ولا تَمْشِ في الأرضِ مَرَحاً إنك لَنْ تَخْرِقَ الأرضَ ولن تَبْلُغَ الجبالَ طولا }
وفي الحديث "من جرَّ إزارَه خُيَلاءَ لم ينظر اللهُ إليه" .
واعلموا أن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تعالى : { إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُون على النبي . يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي الهاشمي العربي الأوفى . وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفا . والسادة الحنفا . أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أهل الصدق والوفا ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان ولطريقتهم اقتفى ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا . اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، واحم حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم أقم علم الجهاد ، واقمع أهل الشرك والريب والفساد ، وانشر رحمتك على هؤلاء العباد ، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد . عباد الله : "إن الله يأمرُ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقُضوا الأيمان بعدَ توكيدِها وقد جعلتمُ اللهَ عليكم كفيلا ، إن الله يعلم ما تفعلون" فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
( خطبة في الحث على الحج )
الحمد لله الذي هدى أولياءه لدين الإسلام ، ووفقهم لزيارة بيته الحرام ، وخصهم بالشوق إلى تلك المشاعر العظام ، وحط عن وفده جميع الأوزار والآثام . أحمدهُ سبحانه على جزيل الفضل والإنعام ، وأشكره على ما أولاه من التوفيق والإلهام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق السلام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير معلّم وإمام ، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى الذي اصطفى لكم الإسلام ، وفضلكم به على كافة الأنام ، وأسبغ عليكم نعمه الجسيمة العظام ، ونصب لكم الأدلة على صحة الدين ورفع الأعلام ، فاتقوا الله الذي تساءَلون به والأرحام ، ولا تكونوا ممن أعرض عن ذلك وسام مع بهيمة الأنعام ، واعلموا أن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام ، فرض على من استطاع السبيل إليه من الأنام ، وهو في تكفير الذنوب والسيئات واسطة عقد النظام ، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لقد هممت أن أنظر من استطاع الحج فلم يحج فأضع عليهم الجزية ، ما هم عندي بمسلمين"
"وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً"
فاتقوا الله عباد الله وبادروا بالحج في هذا العام ، واحذروا ما يبطل العمل من الرفث والفسوق والآثام . ففي الحديث "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أُمه" وفيه أيضاً "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وسارِعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمتقينَ الذينَ يُنْفِقون في السراء والضراءِ والكاظمينَ الغَيْظَ والعافِينَ عنِ الناس ، واللهُ يحبُّ المحسنين . والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفُسهم ذكَروا اللهَ فاستغفروا لذُنوبِهم ومَن يَغفِرُ الذنوبَ إلا الله ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون ، أُولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونِعمَ أجرُ العاملين }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة عيد النحر )
الله أكبر ( تسعاً نسقاً ) الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . الله أكبر كلما أحرموا من الميقات . وكلما لبى الملبون وزيد في الحسنات . الله أكبر كلما دخلوا فجاج مكة آمنين . وكلما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين مكبرين . الله أكبر كلما وقفوا بعرفة خاضعين مُخْبِتين منيبين مهلّلين . الله أكبر كلما وقفوا بالمشعر الحرام طالبين راغبين . الله أكبر كلما رموا الجمرات مكبرين . محلقين رءوسهم ومقصرين . الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . الحمد لله الذي خلق آدم بيده من صلصال كالفخار . وأسجد له ملائكته المقربين الأطهار . فسجدوا إلا إبليس أبى فباء باللعنة والصَّغار . مسح تعالى ظهر آدم بيده فاستخرج ذريته كالذر ونفّذ فيهم الأقدار . قبض قبضة وقال هؤلاء إلى الجنة لا أُبالي . وقبض قبضة فقال هؤلاء ولا أُبالي إلى النار . لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي ، بل هو النافع الضَّار . أحمده سبحانه على نعمه الغزار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيداً مقتنىَ ليوم الحاجة والافتقار . متظاهرا عليه اللسان والجنان بالسر والجهار . مشهوداً به لربنا كما شهد به لنفسه وشهدت به ملائكته وأُولو العلم من خلقه لا إله إلا هو العزيز الغفار . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى ونحر ، وحج واعتمر . وجاهد المنافقين والكفار . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار ، وسلم تسليماً كثيرا . أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى ، والتمسوا من الأعمال ما يحب ويرضى ، واعلموا أن يومكم هذا يوم فضيل ، وعيد جليل ، رفع الله قدره وأظهر ، سماه يوم الحج الأكبر ، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم فقال في خطبته "أيها الناس اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم" ، وقال "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" ،
وفي هذا اليوم يجتمع الحاج بمنى يستكملون مناسك الحج ، ويتقربون إلى الله بالعج والثج ، يحيون سنة أبيهم إبراهيم بإهراق الدماء في هذا اليوم العظيم ، فإن الله ابتلاه بأن أمره يذبح ولده ، وفلذة كبده ، ليسلم قلبه لله ، ولا يكون فيه شركة لسواه ، فإن العباد لذلك خلقوا ، وبه أُمروا ، فامتثل أمر ربه طائعاً ، وخرج بابنه مسارعاً ،
وقال { يا بُنيَّ إني أرى في المنام أني أذبحُكَ فانظرْ ماذا ترى ، قال يا أبتِ افعلْ ما تُؤْمر }
لا متوقفاً ولا متفكراً ، فاستسلما جميعاً للقضاء المحتوم ، وسلما أمرهما للحي القيوم ، فلما تلّه للجبين ، وأهوى إلى حلقه بالسكين ، أدركته رحمة أرحم الراحمين ونودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وأتى بكبش من الجنة فذبحه فداء ولده ، فأحيا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنّة وعظمها ، فأهدى في حجته مائة بدنة ، وضحى في المدينة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عن محمد وآل محمد والآخر عن أمة محمد ، فبادروا رحمكم الله إلى إحياء سنن المصطفين الأخيار ،
ولا تكونوا ممن بخل وآثر كنز الدرهم والدينار ، على طاعة الملك الغفار ، فأكثر العلماء على أنها مستحبة ، وبعضهم يرى الوجوب مع اليسار ، وأفضلها أكرمها وأسمنها وأغلاها ، وتجزى الشاة عن الرجل وأهل بيته ، والبدنة عن سبع شياه . والمجزي من الضأن ما تم له ستة أشهر ، ومن الإبل ما تم له خمس سنين ، ومن البقر ما تم له سنتان . ومن المعز ما تم له سنة . ولا تجزى العوراء البين عورها ، ولا العرجاء البين ظلعها ، ولا المريضة البين مرضها ، ولا الهزيلة التي لا تنقى . ولا العضباء التي قطع أكثر أذنها أو قرنها .
وتنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى يطعنها في وهدتها قائلا : بسم الله الله أكبر ، اللهم إن هذا منك ولك . ويتلفظ بالنية فيقول عن فلان . و "تذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر . والسنّة جعل الأضاحي أثلاثاً : ثلثاً لأهله . وثلثاً لصديقه ، وثلثاً للفقراء . ووقت الذبح من انقضاء صلاة العيد إلى آخر اليوم الثالث من أيام التشريق .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { ذلك ومَن يُعَظّمْ شَعائِرَ اللهِ فإنّها من تقوى القلوب . لكم فيها مَنافع إلى أجل مسمّى ثم مَحِلُها إلى البيتِ العَتيق . ولكلّ أُمةٍ جعلنا مَنسَكا ليذكروا اسمَ اللهِ على ما رَزَقَهُم من بهيمةِ الأنعامِ ، فإلهكُمْ إله واحدٌ فله أسْلِموا وبشِّر المُخْبِتين . الذين إذا ذُكر اللهُ وَجِلَتْ قلوبُهم والصابِرينَ عَلَى ما أصابَهم والمُقِيمي الصلاة وممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُون . والبُدْنَ جعلناها لكل مِنْ شعائرِ اللهِ لكم فيها خيرٌ ، فاذكروا اسمَ اللهِ عليها صَوافَّ ، فإذا وَجَبَتْ جُنوبُها فكلوا منها وأطعموا القانعَ والمُعتَر كذلك سَخّرناها لكلم لعلكم تشكرون . لن ينالَ اللهَ لحومُها ولا دماؤُها ولكن ينالُه التقوى منكم ، كذلك سَخّرها لكم لِتُكَبّروا اللهَ عَلَى ما هداكم وبشِّر المُحْسِنين }
الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
( الخطبة الأخيرة )
الحمد لله سيد الجمع والأعياد ، رافع السموات بغير عمد ترونها وباسط الأرض ومرسيها بالأطواد . أحمده سبحانه على نعمه التي لا يحصى لها تعداد . وأشكره وبالشكر تحلو النعم وتزداد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعدُّها ليوم التناد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى سبيل الرشاد . الداعي إلى الله على بصيرة حتى دانت لدعوته العباد . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأمجاد . وسلم تسليم كثيراً .
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أنه ليس السعيد من أدرك العيد . ولبس الجديد . وركب الخيل المسوَّمةَ وخدمته العبيد . إنما السعيد من اتقى الله فيما يبدي ويعيد . وفاز بجنة نعيمها لا يفنى ولا يبيد . ونجا من نار حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم الصديد ، ولباسهم القطران والحديد ، واتقوا الله عباد الله بامتثال أمره الأكيد ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، فهذا شأن العبيد . واعلموا أن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه:
فقال تعالى { إن الله وملائكته يصلّون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليماً }
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد النبي الهاشمي الأوفى . وارضَ اللهمّ عن الأربعة الخلفا . والسادة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أهل الصدق والوفاء . وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان ولطريقتهم اقتفى . وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا . اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين . وأذلَّ الشرك والمشركين . واحم حوزة الدين . واجعل هذا البلد مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . اللهم أقم عَلَم الجهاد ، واقمع سبيل أهل الشرك والريب والفساد ، وانشر رحمتك على هؤلاء العباد . يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد . عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا . إن الله يعلم ما تفعلون . فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
( خطبة في الأيام العشر من شهر ذي الحجة )
الحمد لله مشرف الأيام والشهور بعضها على بعض ، ومصرِّف الأحكام بالإبرام والنقض ، وموقظ القلوب الغافلة بالتذكير والوعظ ، الرّب المالك الذي ليس لربوبيته تغير ولا إزالة ، الإله الحق الذي ليست الإلهية الحق إلا له ، أحمده سبحانه على ما أولاه من إحسانه وإفضاله . وأشكره على جزيل بره ونواله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وصفات كماله . شهادة أرجو بها النجاة من شدائد يوم الفزع وأهواله . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أنعم الله على جميع أهل الأرض ببعثه وإرساله . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى جميع أصحابه وآله ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى ، والتمسوا من الأعمال ما يحب ويرضى ، واعلموا أنكم في شهر كريم ، وموسم عظيم ، لا سيما هذه العشر المباركات ، فإنهن الأيام المعلومات التي أقسم الله بها في محكم الآيات ، فاغتنموها رحمكم الله بالمسارعة في الأعمال الصالحات . والإكثار من الحسنات ، فإن الحسنات يذهبن السيئات . عباد الله ، هذه أيام مضاعفة الحسنات ، هذه أيام إجابة الدعوات ، هذه أيام الإفاضات والنفحات ، هذه أيام عتق الرقاب الموبقات ، وهذه مواسم الأرباح والمجاهدات ، عند ذوي الهمم العاليات ، فاكثروا فيها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والتوبة والإقلاع من الذنوب والسيئات ، ولا تذهب الأعمار منكم في الغفلات ، والتمادي في الشهوات ، فتندموا حين لا تنفع الندامات . فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من أيام العمل الصالح أحبُّ إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر . قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله . قال ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { سابِقوا إلى مَغْفِرةٍ مِن ربِّكمْ وجنةٍ عرضُها كعرض السماءِ والأرضِ أُعدَّتْ للذين آمنوا باللهِ ورُسُله ذلك فضلُ اللهِ يؤْتيهِ من يَشاءُ واللهُ ذو الفضل العظيم } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل . لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضا )
الحمدُ لله الذي من اعتصم بحبل رجائه وفقه وهداه ، ومن لجأ إليه حفظه ووقاه ، ومن تواضع له رفعه وحماه . أحمده سبحانه على ما أعطى من الإنعام وأولاه ، وأشكره على ما خوّله بفضله وأسداه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف الله بصفاته ولم يعامل أحداً سواه . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى خلقه بالتوحيد وأوصاه بتقواه ، وعن طاعة الكفار والمنافقين حذّره ونهاه . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وتمسكوا بهداه . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تقواه . عباد الله ما أحقر همة من جعل أكبر همه دنياه ، وما أبعد عن السداد من عرف الله وعامل سواه ، وما أسفه رأى من اتخذ إلهه هواه ، وما أعظم حسرة من اختار لنفسه أن تكون النار مثواه . وعليكم عباد الله بالنظر في العواقب فالسعيد من نظر في عقباه ، وتزينوا بلباس التقوى فالفائز من ألبسه الله حلل تقواه ، وتأهبوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون حفاة عراة على الله . واعملوا صالحاً قبل أن ينظر الإنسان ما قدمت يداه . يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ولا يرحم أحدٌ أحداً إلا من رحمه مولاه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيُّها الناسُ اتقوا ربّكم واخشَوْا يوماً لا يَجْزي والدٌ عن وَلَدِهِ ولا مَوْلودٌ هو جازٍ عن والدهِ شيئاً . إن وعدَ اللهِ حقٌّ فلا تَغرنّكًم الحياةُ الدنيا ولا يَغرَّنّكمْ باللهِ الغَرور }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمدُ لله اللطيف الذي بلطفه تنكشف الشدائد . الرءوف الذي برأفته تتواصل النعم والفوائد ، وبحسن الظن به تجري الظنون على أحسن العوائد . وبالتوكل عليه يندفع كيدُ كل كائد . وبالقيام بأوامره ونواهيه تحتوي القلوبُ على أجلِّ العلوم والفوائد . أحمده سبحانه وحمدي له من نعمه ، وأشكره على قمع كل شيطان مارد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي له في كل شيء آية تدل على أنه واحد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الأصل الماجد . وخارق نظام العوائد ، الذي انشق له القمر وحنّت إليه الجوامد . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الطاهرين المعاقد ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله قد غلب على النفوس الطمع فأهلكها . واستولت على القلوب الذنوب فسودتها ، فاجلوا سواد هذه الظلمة بالتوبة فالتوبة هي المصباح ، واستفتحوا أبواب الرحمة بالاستغفار فإن الله هو المفتاح ، وأصلحوا فساد أعمالكم يصلح الله أحوالكم ، وارحموا ضعفاءكم يرفع الله درجاتكم ، وواسوا فقراءكم يوسع الله في أرزاقكم ، وخذوا على أيدي سفهائكم يبارك لكم في أعماركم ، فمن رحم رحم ، ومن ظلم قصم ، ومن فرط ندم ، ومن اتجر في الأعمال الصالحة ربح وغنم ، ومن اتقى الله في سره وعلانيته عصم وسلم ، واجتنبوا البغي والعدوان والحقد والحسد . واعلموا أن الحسود لا يسود ولا يناله من حسده إلا الهم والغم والكد والنكد . فمن يردُّ نعمة الله التي أنعم بها على عباده أمّن يمنع عطاء الله الذي يقسمه على مراده . وتيقنوا أن كل إناء ينضح بما فيه ، ومن حفر لأخيه بئراً وقع لا شك فيه . ومن كان لله به عناية فهو منصور ، ومن أدركته رحمة الله فهو محبور وإن كل محسن أو مسيء مجازى بعمله يوم النشور .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { من جاءَ بالحسنةِ فله خيرٌ منها وهم مِنْ فَزَعِ يومئذ آمنون . ومن جاءَ بالسيئةِ فكبّتْ وجوهُهم في النار هل تُجْزَون إلا ما كنتم تعملون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
{ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور . ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }
نصب أدلة مخلوقاته ، وأقام براهين آياته ، وتحبب بنعمه وآلائه . ولكن أكثر الناس لا يعلمون . أحمده سبحانه على ما أولاه من عظيم إنعامه . وما اختصنا به من معرفته وإكرامه ، وهدانا لتوحيده وإسلام الوجه له . وقد ضل عن ذلك الأكثرون . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسبحان الله رب العرش عما يصفون . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله الصادق المأمون . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعن آله وأصحابه الذين هم بسنته مستمسكون وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته ، وتدبروا ما أنزل إليكم من حكمه وآياته ، واعلموا أن الله لم يخلقكم عبثاً ، ولم يضرب عنكم صفحاً ، بل خلقكم لمعرفته وعبادته ، وأمركم بتوحيده وطاعته ، وأرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة ، فقامت بذلك حجته على العباد ، وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا ، وظهرت أعلام الملة والدين . فتداركوا أعماركم قبل انخرام آجالها وحياتها فقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون . ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أُولئك هم الفاسقون .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيها الناسُ اعبُدوا ربّكمُ الذي خلقكمْ والذين مِن قبلكم لعلّكمْ تتّقون الذي جعل لكمُ الأرضَ فراشاً والسماءَ بناءَ وأنزلَ من السماء ماء فأخرجَ به من الثمراتِ رِزقاً لكم فلا تجعلوا للهِ أنداداً وأنتم تعلمون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمد لله المتوحّد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً ، المتفرد بتصرف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً ، المتعالي بعظمته ومجده الذي أنزل الفِرقانَ على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، أطلع شمس الرسالة في حنادِسِ الظلم سراجاً منيراً ، ومنّ بها على أهل الأرض فيا لها نعمة لا يستطيعون لها شكورا ، فجّر ينابيع الهداية في قلوب من سبقت لهم منه الحسنى تفجيراً . أحمده حمد من يعلم أنه لم يزل ولا يزال بجميع المحامد جديرا ، وأستعينه استعانة من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأكبره تكبيرا ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى . عباد الله . أُوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن تخلصوا له الأعمال وتراقبوه في جميع الأحوال وأن تتقربوا إليه من طاعته بما يرضيه ، وتجتنبوا مساخطه ومناهيه .
فقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسِبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا . وزنوها قبل أن توزنوا . وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى على الله منكم خافية .
وقال الحسن رحمه الله : إن أيسر الناس حساباً يوم القيامة الذين حاسبوا أنفسهم لله في هذه الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم ، فإن كان الذي همّوا به لله مضوا فيه ، وإن كان عليهم أمسكوا ، وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور فأخذوها من غير محاسبة ، فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذّر .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { ووُضِعَ الكتابُ فترى المجرمين مُشْفِقِينَ مما فيه ويقولونَ يا وَيلَتَنَا ما لِهذا الكتابِ لا يُغادِر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها . ووَجدوا ما عمِلوا حاضراً ولا يَظلِمُ ربُّكَ أحدا }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمد لله الذي رفع قدر ذوي الأقدار ، عن الركون إلى هذه الدار . ومنح صفاء إحسانه الدار لأهل تلك الدار . ونفذ تصاريف الأقدار في أهل الجنة والنار . فسبحان من يسر كلا لما خلق له وربك يخلق ما يشاء ويختار . أحمده سبحانه وأشكره وللشكر على أصحاب الشكر آثار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ونجم الحق قد غار ، وشرر الباطل قد طار في الأقطار . فمهد قواعد الدين وأشاد المنار . وجاء البيت وللأصنام على فِناء الكعبة قرار . فما زاد أن أومى إليها بالقضيب وأشار . وهو يقول { جاء الحق وزهق الباطل } فتهاوت للانكسار . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه فاتحي الفتوح وممصّري الأمصار . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله واعلموا أن الجزاء واقع والمنتقم من العصاة هو الجبار . فحذارِ من سطوة الغضب حذار . أعَلَى السرائر تلفق الأعذار . فالبدار البدار ، فقد ذهبت الغفلات بالأعمار . ما أبقت النصائح لبساً وهل يخفى النهار . فالنجاء النجاء في مهلة الإنظار . واللّجأ اللجأ قبل أن يقال العثار . يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور ، وتكشف الأسرار . يوم يجاء بالظالم والظلم يومئذ عار ونار . يوم يقضي الله بين خلقه بعلمه لا بالبينة ولا بالاستظهار .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وأنذِرْهمْ يومَ الآزِفة إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمينَ ما للظالمينَ من حَميمٍ ولا شفيعٍ يطاع ، يعلم خائنةَ الأعينِ وما تُخْفي الصدورُ واللهُ يقضي بالحق والذين يَدْعون من دونه لا يقضون بشيء إنَّ اللهَ هو السميع البصير }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمد لله الذي أرشد عقول أوليائه إلى توحيده وهداها . وثبت كلمة الإخلاص في قلوب أحبابه على أمواج الامتحان بسم الله مَجراها ومُرساها ، وأعمى بصائر المنافقين لمّا أدبرت عن الدين فلم تجبه لمّا دعاها . فسبحانه من جبار عظيم لا يُماثلَ ولا يُضاهى . فجلّ ربّا وعزّ ملكا وتعالى إلهاً . أحمده سبحانه على نعمه التي لا تتناهى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف مدلولها لمّا تلاها . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بيّن كلمة التوحيد لفظها ومعناها . وجاهد عليها بلسانه وسنانه حتى أقرها وحمى حماها . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وتمسكوا بعراها . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وإياكم والتغافل والصدود فإن أمامكم القبر فاحذروا ضَغْطَتَه ووحشته ، وأن وراء ذلك ما هو أشد منه ، يوم يشيب من هوله المولود . ألا وإن وراء ذلك ما هو أعظم منه ، دار معدوم رجاؤها ، محتوم بلاؤها ، موحشة مسالكها ، مظلمة مهالكها . مخلد أسيرها . مؤبد سعيرها ، عال زفيرها ( طعام أهلها الزَّقُّوم ) . وشرابهم الحميم . وعذابهم أبداً فيها مقيم . الزبانية تقمعهم ، والهاوية تجمعهم . لهم فيها بالويل ضجيج ، وللهبها فيهم أجيج . أمانيهم فيها الهلاك ، وما لهم من أسرها فكاك . قد شدت أقدامهم إلى النواصي ، واسودَّت وجوههم من ذل المعاصي ينادون من فجاجها وشعابها بُكيّاً من ترادف عذابها : يا مالكُ قد أثقلنا الحديد . يا مالك قد نضجت منا الجلود . يا مالك قد تفلذت منا الكبود . يا مالك العدم خير من هذا الوجود . يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود . فيجيبهم بعد زمان : اخسأوا فيها ولا بد من الخلود .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربُّك ، قال إنكم ماكِثون . لقد جئناكم بالحقِّ ولكنّ أكثركَم للحقِّ كارهون . أم أبرَمُوا أمراً فإنّا مُبْرِمون . أم يحسَبون أنّا لا نسمَعُ سِرَّهمْ ونَجْواهم ، بلى ورُسلُنا لديهم يكتبون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمد لله الذي يعلم سر كل نفس ونجواها . أحاط علمه بكل شيء وعلِم مسالك النمل وعدد الرمل وأحصاها . أحمده سبحانه حمد من ارتقى في رتب الإخلاص إلى منتهاها . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من طهر نفسه من الشرك وزكّاها . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأكمل الشرائع وأسناها . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وتمسكوا بعراها . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وألجموا النفوس عن تعديها وطغواها . فليس لها والله إلا ما قدمت يداها . ولو كان لها يوم القيامة ملء الأرض ذهباً ما نفعها ولا أجداها . أما والله لتبعثن ليوم عظيم يجمع الله فيه الأمم أولاها وأخراها ، ولتحشرن كما بدأكم أول مرة ولتحاسبن بأكبر الأعمال وأدناها ، [ ولتؤدن المظالم من الظلمة على الرغم منهم كبراها وصغراها ، ولتكونن إلى دار نعيم أبدي ينسي عناء الدنيا وشقاها ، أو إلى دار عذاب مفضح يذهل عن نعيم الدنيا وحلاها ]
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { أأنتم أشدُّ خَلْقاً أمِ السماءُ بناها رَفَعَ سَمْكَها فسوّاها وأغْطَشَ ليلَها وأخرجَ ضُحاها . والأرضَ بعدَ ذلك دَحاها . أخرجَ منها ماءها ومَرْعاها والجبالَ أرساها . مَتاعاً لكم ولأنعاكم . فإذا جاءَتِ الطامّةُ الكبرى يومَ يتذكّرُ الإنسان ما سعى . وبُرِّزَت الجحيمُ لِمَنْ يرى . فأمّا مَن طغى وآثر الحياةَ الدنيا فإن الجحيمَ هيَ المأوى . وأمّا من خافَ مَقَامَ ربّهِ ونهى النفسَ عنِ الهوى فإن الجنةَ هيَ المأوى }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمد لله الذي فتح أبواب المشاهدات على أرباب المجاهدات بمفتاح لا إله إلا الله . وأحيا نفوس العارفين وملأ كؤوس الذاكرين من أقداح لا إله إلا الله . أبدع المصنوعات وأوجد المخلوقات ووسمها بميسم لا إله إلا الله . خلق الجنين من ماء مهين ليعبده بلا إله إلا الله . أرسل الرسل لأجلها مبشرين وعن ضدها محذرين فدعوا الناس كلهم إلى العمل بلا إله إلا الله . فهي رأس الملَّة والدين ، وهي حبل الله المتين ، فما خاب من تعلق بحبل لا إله إلا الله ، غَوِيَتْ أحلامُ الجاهلين وضلّتْ أفئدة المعاندين حيث جعلوا إلهين اثنين بعد ما طلع بدر لا إله إلا الله . أحمده سبحانه وأشكره إذ جعلنا من أهل لا إله إلا الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها إذا خاب أهل الشرك ونجا أهل لا إله إلا الله . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جدد الله به ما دَرَسَ من مَعالم لا إله إلا الله .
ومع ذلك قال له { فاعلم أنه لا إله إلا الله } . فصدع بها ونادى ، ووالى عليها وعادى ، وقال "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق لا إله إلا الله" .
فدعا إلى الله سراً وجهاراً ليلا ونهاراً حتى انكشف الغطاء عن وجه لا إله إلا الله . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين حموا بمرهفاتهم حَوْزَة لا إله إلا الله . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى ، وجددوا إيمانكم في المساء والصباح بتأمّل معنى لا إله إلا الله ، فيا ذوي العقول الصحاح ويا ذوي البصائر والفلاح ، نادوا بالفلاح فلا فلاح إلا لأهل لا إله إلا الله . فكلمة الإسلام ومفتاح دار السلام لا إله إلا الله . فلا قامت السموات والأرض ولا صحت السنة والفرض ولا نجا أحد يوم العرض إلا بلا إله إلا الله . ولا جردت سيوف الجهاد وأرسلت الرسل إلى العباد إلا ليعلموهم العمل بلا إله إلا الله . فانقسم الناس عند ذلك فريقين وسلكوا طريقين : فريق انقاد للعمل بلا إله إلا الله . والآخر حاد لعلمه أن دين آبائه تبطله لا إله إلا الله . فسبحان من فاوت بين عباده بمقتضى حكمته ومراده ذلك من أدلة لا إله إلا الله . فطوبى لمن عرف معناها فارتضاها ، وعمل باطناً وظاهراً بمقتضاها ، فيكون قد حقق لا إله إلا الله ، وويل لمن صاده الشيطان بالأشراك ، فرماه في هوة الإشراك ، فأبى واستكبر عن الانقياد للا إله إلا الله .
ألم تسمعوا قول الله { ولا يملكُ الذين يَدْعونَ مِن دونهِ الشفاعةَ إلا مَن شهِدَ بالحقّ وهم يعلمون } حقيقةَ لا إله إلا الله . الذي هو إفراده بجميع العبادات وتخصيصه بالقصد والإرادات . ونفيها عما سواه من جميع المعبودات . التي نفتها لا إله إلا الله . وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله . الذي لا يبقى في القلب شيئاً لغير الله . ولا إرادة لما حرّم الله . ولا كراهة لما به أمر الله . هذا والله هو حقيقة لا إله إلا الله . وأما من قالها بلسانه ونقضها بفعاله فلا ينفعه قول لا إله إلا الله . فمن صرف لغير الله شيئاً من العبادات . وأشرك به أحداً من المخلوقات . فهو كافر ولو نطق ألف مرة بلا إله إلا الله . قيل للحسن رحمه الله تعالى : إن أناساً يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، فقال : من قالها وأدى حقها وفرضها أدخلته الجنة لا إله إلا الله . وقال ابن منبه لمن قال له : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله . قال : بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك لأنك في الحقيقة لم تقل لا إله إلا الله . فيا ذوي الأسماع العتيدة ، لا تظنوا أُمور الشرك منكم بعيدة . فإن هاهنا مهاو شديدة . تقدح في لا إله إلا الله . أين من وحّد الله بالحب والخوف والرجاء والعبادة . أين من خصه بالذل والخضوع والتعظيم والقصد وأفرده بالتوكل فجعل عليه اعتماده . كل هذا من معاني لا إله إلا الله . فسارعوا عباد الله إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السموات والأرض أُعدت للمتقين الذين قاموا بواجبات لا إله إلا الله . ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكمْ منه نذيرٌ مُبين . وتمسكوا بعرى لا إله إلا الله فمن نفى ما نفته وأثبت ما أثبتته ووالى عليها وعادى رفعته إلى أعلى عليين منازل أهل لا إله إلا الله .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يومَ يقومُ الرُّوحُ والملائكةُ صَفاً لا يتكلّمون إلا مَن أذِنَ له الرحمنُ وقال صَوابا } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضاً )
الحمدُ لله الوليّ فلا وليَّ من دونه ولا واق . الغني فلا تنفد خزائنه على كثرة الإنفاق يحلم على من عصى ، وينتقم بما لا يحصى ، ولا يكلف ما لا يطاق . أحمده وله الحمد وحده على الاستحقاق . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من ذاق طعم الإيمان فوجده حلو المذاق . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ففتح به قلوباً غلفاً وأعيناً عمياً وآذاناً صما ليس للحق إليها استطراق . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة بالعشيّ والإشراق . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا عباد الله ، اتقوا الله . ولا تجعلوا الدنيا أكبر همكم ومبلغ علمكم . واعتبروا بمن مضى قبلكم من الأمم الخالية ، أهل المراتب العالية كيف طحنتهم الدنيا طحن الحصيد ، وأسكنتهم بعد القصور بطن الصعيد ، سبقونا بتقضي الأعمار ، ونحن على الآثار ، فرحم الله امرءاً لم يجعل الدنيا على باله . واشتغل بالآخرة فكانت أهم اشتغاله . واستعدوا رحمكم الله للموت وأعماله . والقبر وأهواله ، والملك وسؤاله ، والرب وجلاله ، وهل يعطى كتابه بيمينه أو بشماله ، وهل يدعى إلى النعيم وظلاله ، أم إلى الجحيم وأغلاله . والله يقول وأصدقُ القول مقاله .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { فأمّا مَن طَغى وآثر الحياةَ الدنيا فإنَّ الجحيمَ هي المأوى . وأمّا مَن خاف مَقَامَ ربّه ونهى النفسَ عن الهوى فإنَّ الجنةَ هيَ المأوى }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضا )
الحمدُ لله الذي أذهب البأس ، ووهب لباس التقوى فهو خير لباس . صدقت مواعيده فما توالتْ كالأنفاس . وسبقت رحمته غضبه فالرجا للعبد خير من اليأس . تفرد في وحدانيته فلا شك فيها ولا التباس . ومن آياته أن خلق وصور وشق السمع والبصر وجميع الإحساس . فسبحان رب الناس . ملك الناس ، إله الناس ، أحمده سبحانه وحمده عنوان السعادة . وأشكره وعلى الشكر وعد الزيادة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أتقلدها يوم القيامة والعمل بها يومئذ قلادة . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي ظللتْ عليه الغمامة ، ودلت بين كتفيه العلامة ، وسبح الحصا في كفه وفقه الناس كلامه . فكم من معجزة له وكم من كرامة ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه أهل النجدة والشهامة . وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه . عباد الله شدوا الرحال ، فقد قرب الارتحال . وأصلحوا الأعمال ، فقد قربت الآجال . وأعدوا الجواب فقد وجب السؤال . فبينما المرء مغرور بتقلبه . مغمور بتكسبه ، إذ تبدَّى له ملك الموت الذي كان عنه محتجبا ، فقضى فيه بالذي به أمره ، قبل شهادة السمع والبصر ، يوم الوعد والوعيد ، يوم الخجل والوجل من رب العبيد . يوم يقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد . فالحذر الحذر فمن نجا منها إنه لسعيد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وقال قَرِينُهُ هذا ما لَديَّ عَتِيد . ألقِيا في جهنم كلَّ كفّار عَنِيد ، مَنّاعٍ للخيرِ مُعْتَدٍ مُرِيب . الذي جَعَل معَ اللهِ إلهاً آخرَ فألقياهُ في العذابِ الشديد . قال قَرِينُه رَبّنا ما أطغَيْتُه ولَكنْ كان في ضلالٍ بعيد . قال لا تختصموا لَديَّ وقد قَدَّمْتُ إليكم بالوَعِيد . ما يُبَدَّلُ القولُ لديَّ وما أنا بِظلاّمٍ للعبيد . يوم نقول لجهنّمَ هَلِ امْتَلأتِ وتقولُ هل من مَزِيد . وأُزْلِفَتِ الجنةُ للمتقينَ غيرَ بعيد . هذا ما تُوعَدونَ لكلِّ أوَّابٍ حَفِيظ . مَن خَشِيَ الرحمنَ بالغيب وجاءَ بقلبٍ مُنيب . ادخلوها بسلامٍ ذلك يومُ الخلود . لهمْ ما يشاءونَ فيها ولَديْنَا مَزِيد } .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضا )
الحمدُ لله معزّ من أطاعه واتقاه . ومذل من أضاع أمره وعصاه . الذي وفق أهل طاعته للعمل بما يرضاه . وحقق على أهل معصيته ما قدره عليهم وقضاه . أحمده سبحانه على حلو نعمه ومر بلواه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه ، ولا نعبد إلا إياه . وهو الذي في السماءِ إله وفي الأرض إله . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كمل به عقد النبوة فطوبى لمن والاه وتولاه . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده . وكان هواهم تبعاً لهداه . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته . ابن آدم اتق الله وأطعه فيما أمر ، وفكر في نفسك فأنت أحق من فكر . هل ينفعك من الله مال أو جاه أو معشر . أنعم عليك وآواك ، وتفضل عليك وأعطاك ، ومنّ عليك بالسمع والفؤاد والبصر . فكيف حجتك إذا سألك عن شكر نعمه عليك يوم الفزع الأكبر . وكيف جوازك على الصراط وهو أدق من الشعر وأحر من الجمر وأحد من السيف الأبتر . يؤمر بالجواز عليه فمن نجا فإلى جنة المستقر . ومن هوى بذنوبه ففي سقر .
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ترسل الأمانة والرحم يوم القيامة فيقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً فيمر أولكم كالبرق ثم كالريح ثم كالطير ثم كأجاود الخيل والركاب تجري بهم أعمالهم ونبيكم صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول : اللهم سلم سلم ، حتى تعجز أعمال العباد وحتى أن الرجل لا يستطيع أن يمر إلا زحفاً ، وعلى جنبتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت بأخذه فناج مسلم ومكردس في النار والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفا . والله لتملأنّ" .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( فَوَرَبِّكَ لنَحْشُرَنّهُمْ والشياطينَ ثم لنُحْضِرَنّهُمْ حولَ جهنمَ جِثِيّا . ثم لنَنْزِعَنّ من كلّ شِيعةٍ أيُّهُمْ أشدُّ على الرحمَنِ عِتِيّا . ثم لنحنُ أعلمُ بالذين هم أولى بها صِليّا . وإنْ منكُم إلا وارِدُها كان على ربِّكَ حتما مَقْضيّا . ثمَّ نُنَجِي الذينَ اتّقوا ونَذَرُ الظالمينَ فيها جِثِيّا )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضا )
الحمدُ لله الكريم المنان ، العزيز ذي السلطان ، خلق الإنسان من تراب ثم قال له كن فكان . يعطي ويمنع . ويخفض ويرفع . ويصل ويقطع . ويشتت ويجمع . كل يوم هو في شأن . يجيب المضطر إذا دعاه . ويغفر للمسيء إذا تاب ما أتاه . ويجبر المنكسر إذا لاذ بحماه . ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فنادى : هل من سائل فيعطى سؤله ، هل من تائب فيتاب عليه ، هل من مستغفر فيغفر له ما جناه . أحمده سبحانه على نعمه التي من أجلّها نعمة الإسلام . وأشكره على تبيين الدين والأحكام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا أعوان . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد عدنان . بعثه رحمة لأهل الإيمان وحجة على أهل الظلم والطغيان . نبي رجفت لهيبته قلوب الجبابرة فكسر كسرى وقصر قيصر وقال سيملك هذا النبي موضع قدمي هاتان . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والعرفان . وذوي الحفظ والإتقان . عدد ما أضمره الجنان ، ونطق به اللسان ، وتحركت به الأركان ، وما هو في علم الله كائن أو قد كان ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى . عباد الله قد أويتم من الدنيا إلى ركن غير شديد . ورأيتم إيثارها على الآخرة رأياً غير سديد . ما كأنها إلا عمايةٌ عن الذكرى حينئذ لا تفيد . أو جرأةٌ على الجبار فاحذروا أخذه إن أخذه أليم شديد . أو جَلَد على النار فما جَلَد على النار بجليد . أوشك في ورودها فما لأحد عن ورودها محيد . أليست التي يقال لها هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد ، فالحذر الحذر فمن نجا منها إنه لسعيد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذا أخذ القُرى وهي ظالمةٌ إنَّ أخْذَهُ أليمٌ شديد ، إن في ذلك لآيةً لِمَنْ خاف عذاب الآخرة ، ذلك يومٌ مجموعٌ له الناسُ وذلك يومٌ مشهود ، وما نؤخّرُه إلاّ لأجَلٍ معدود ، يومَ يأتِ لا تكَلّمُ نفسٌ إلا بإذنه ، فمنهم شقيٌ وسعيد ، فأما الذين شَقُوا ففي النارِ لهم فيها زَفِيرٌ وشَهِيق ، خالدين فيها ما دامتِ السمواتُ والأرضُ إلا ما شاءَ ربُكَ ، إن ربّكَ فعال لما يُريد ، وأما الذين سُعِدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ إلا ما شاء ربُّك عَطاءً غيرَ مَجْذُوذ } ،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضا )
الحمد لله الكريم الودود . المعروف بالكرم والجود . المحيط علمه بالحد والمحدود . أحمده سبحانه وهو الرب المعبود . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من هول اليوم الموعود . وتدخله جنات تجري أنهارها بغير أخدود . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ما أضاءت البروق وسبحت الرعود . وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله ، هبوا من هذه الرقدة والمنام . واهجروا الفواحش والآثام . وارجعوا إلى طاعة الملك العلام . من قبل أن يأتي يوم تشقق السماء فيه بالغمام . فيا له من يوم ما أطوله . ومن حساب ما أثقله [ ومن جزاء ما أجزله ومن عقاب ما أهوله ]
يوم عظيم جمعت فيه القيامة أهوالها . ووضعت فيه الحوامل أحمالها . وزلزلت الأرض زلزالها . وأخرجت الأرض أثقالها . وقال الإنسان مالها ، يومئذ تحدّث أخبارها . بأن ربك أوحى لها . وشاب الوليد . وحق الوعيد . وعظم الهول الشديد { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } .
وخضعت الرقاب لرب الأرباب . وذل كل فاجر كذاب . فالسعيد من استعمل نفسه في طاعة المعبود . وخاف أن لا ينجو من النار بعد الورود . فانتبهوا رحمكم الله واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل . لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة أيضا )
الحمدُ لله المعبود ، القريب بعلمه من العبيد ، العلام بخفيات السرائر وما تنطوي عليه الضمائر من عزم أو ترديد . الملك الحق الذي بيده الملك ليس له معين ولا نديد . وله الحكم يحكم في خلقه بما يريد . من ادعى لغيره أنه ينفع أو يضر فهو شيطان مريد . ومن جادل في توحيده سبحانه فهو في النار مع أبي جهل والوليد . قال تعالى مخاطباً الأنبياء والأولياء والسادة والعبيد { يا أيُّها الناسُ أنتمُ الفقراءُ إلى الله واللهُ هو الغنيُّ الحميد . إن يشأ يُذْهِبْكُمْ ويأتِ بِخَلْقٍ جديد ، وما ذلك على الله بعزيز }
أحمده سبحانه وأشكره وأطلب بذلك من نعمه المزيد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الشديد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قام لله في بطحاء مكة بنصرة التوحيد . ولم تأخذه في الله لومة لائم من قريب أو بعيد . فحفظه الله تعالى منهم بدرع العصمة لا بدرع الحديد . حتى ظهر توحيد الله في المشارق والمغارب على رغم الشرك العنيد . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه فاتحي الأقطار وسيوفهم كانت المقاليد . وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى . ابن آدم اتق الله فإنما خلقت في الدنيا للعبادة لا للتخليد . وأنت من ذلك في بحر الغفلة يا بليد . أفق فإن الساقط في هوة الهوى فقيد . فإن قدامك المقام العتيد ، والحساب الشديد ، والميزان الذي يطير بالحية فلا يحيد ، والكتاب الذي يطير فيصير قلادة في الجيد ، والصراط الذي يقال مر عليه وهو أحدُّ من الحديد ، وهو منصوب على جسر جهنم التي يقال لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد ،
{ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ، ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ، لقد كنتَ في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . وقال قرينه هذا ما لديَّ عتيد ، ألقيا في جهنم كلّ كفار عنيد ، منّاع للخير معتد مريب ، الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد }
إن أحسن الزواجر عن الذنوب ، وأصدع المواعظ للقلوب ، كلام الله علام الغيوب .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمين الرحيم { يا أيُّها الناسُ اتّقوا ربّكم إنَّ زلزلَةَ الساعةِ شيء عظيم . يوم تَرَوْنَها تَذْهُل كلُّ مرضعة عما أرضعت . وتَضَع كلُّ ذاتِ حملٍ حَمْلها ، وترى الناسَ سُكارى وما هم بسكارى ولكنَّ عذابَ الله شديد } .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
تم بحمد الله
تم نسخ هذه المادة من برنامج مركزا لتراث لأبحاث الحاسب الآلي
مؤلفات الشيخ الداعية
الإمام محمد بن عبد الوهاب
مع تحيات أخوانكم في
شبكة مشكاة الإسلامية