الإسلاميُّون : الحكّام الجُدُد ..والتحديّات التي ستواجهُهُم |
|
حامد بن عبدالله العلي |
بسم الله الرحمن الرحيم كان القرن السادس عشر الميلادي ، قد أُطلـق عليه في أوربا : ( قرن المراهقة ) إذ لأوّل مرة يكتشف الناس قدرتهم أن يناقشوا أساليب الحكم ، وإعادة تنظيمها ، وإمكانية تغيير ما كان سائدا من المعتقدات ، والقوانين ، والأنظمة الحاكمة . ثم بعد هذا القرن ، وعلى إثـر الشّرخ الذي أخذ يتّسع فيه ، انفـتح قُمقـم العلوم ، فخرجت عفاريته بما لم يسبق مثله في تاريخ البشرية ، وكان حظُّ العلوم السياسية ، والاقتصادية ، والإجتماعية الفردية ، والجماعية ، لايقل عن غيرها من العلوم ، وكُتبت فيها مؤلفـات كثيرة ، فتحت أبوابا كانت موصدة ، وكسرت أقفالاً لم تزل مغلقة . ولكن حقـّا .. ليس إلاّ بعـد كتابات جون لوك في بريطانيا ، ومونتسكيو في فرنسا، إنطلق جيلٌ من الثائرين ، المتمرّدين ، أبوا إلاّ أن يضعوا أُسسَ بناءٍ جديد ، لعالم جديد ، فتفجـَّرت العقول بآلاف الإبداعات ، ثم لم تلبـث حتى صارت في أمرٍ مريج ، كالبحـر الثجيـج ، فتواجهت تلك النظريّات في صراع ، فحـروب مدمّرة ، ووصـل الصراع إلى أوْجِهِ في الحرب الأوربية الثانية . ثم جرت عليهم سنـّةُ الله في التاريخ ، أن لايصحّ إلاّ الصحيح ، فاستقرّ بهم النوى بعد إصرارهم على تحويل التجارب الخاطئة إلى كنـزٍ من المعارف ، ليطـوِّر حياتهـم السياسية في سُلم الإرتقـاء إلى الأفضـل ، فانتهوْا إلى وضـع أنظمةِ حُكـم _ عادت بهم إلـى ما وضعـه الإسلام _ تقوم على : تحريـر الفـرد ، وتكريم الإنسان ، وتقديس العدالة ، وإخضاع السلطة لها قبل المجتـمع ، وجعـل الأمّة هي مالكةَ أمرها . لكنّهم لما جاؤوا محتلّين بلادنا ، طغـت عليهـم أنانيتُهم ، واستولتْ عليهم شهواتُ النهب ، وسالَ لعابهُم على مااكتشفوه قبلنا من ثروات تزخر بها بلادنا ، وحرَّكهم من وراء ذلك كلِّه شيطانُ المكر الصليبي الناكح سفاحا الروح الصليبية ، فتولّدت من ذلك مرحلتا الإستعمار ، فالإستبداد الذي هو ربيب الإستعمار . وقد تكفَّل الغرب الصهيوصليبي برعاية هؤلاء الطغاة المستبدّين حقَّ رعايتهم ، وأمدّهم بكلّ ما يحتاجونه لشـلِّ حركـة الأمّة الحضاريـة ، وتمزيق كيانها ، وقطع علاقاتها برسالتها ، وتحطيمها بإبقائها في قفص الإتهام ، الإتهام بالإرهاب ، وبالتطرف ، وبأنها لاتحمل مقومات الحضارة ، ولا تتمتع بما يتمتع به غيرُها من الأمم بمؤهلات النهوض من التبعية إلى الإستقلال ، بل من العبودية إلى التحـرُّر ! وقام الطغاة من حكّام العرب بهذه الوظيفة خير قيام ، وما فتئوا يبثـُّون في الأمـّة _ إلى جانب ما تقدم آنفا _ روح الهزيمة النفسية ، ويكرّسون فيها الشُّعور بالعجز ، ويغرسون فقدان الثقة بالذات ، إذ هذا النهج هو الذي يخدم بقاءَهم على كراسيهم ، واستمرارهم في طغيانهم ، واستبدادهم . وكان للحركة الإسلامية رموزاً ، وفكـراً ، وفرادى ، وجماعات ، نصيب الأسد من الملاحقة ، والإضطهاد ، ومحاولات تحطيـم الذات ، وكسر النفس ، بالتعذيب ، والتضييق ، والطرد ، والإبعاد ، والإهانـة ، والإذلال .. إلخ حتى امتلأت بهم المعتقلات ، وشاع _ ولأوّل مرّة في تاريخ أمّتنا _ ما أطلـق عليه ( أدب المعتقـلات ) ، وهو كمٌ هائل من إبداعات أدبية فاح عبيقها من غياهب السجون ، ولاح ضياؤها من سراديب المعتقـلات !! ثم أراد الله أن يمنّ ( على الذين استُضْعفوا في الأرض ، ويجعلهم أئمة ، ويجعلهم الوارثين ) ، وأتى الله الطغاة من حيث لم يحتسبوا ، فتفجرّت الشعوب ، فأطاحت بالطغاة ، في زمـن هـو بمقياس الدهور أسرع من لمح البصر ، وأخذت عروشهم تتهاوى ، والأمّة تهجـم عليهم تحطّمُ عروشَهم ، تحطيم الإعصار المدمّر لأشدّ ما هو أمامه رسوخا ، وأعظمه حجما . حتى تبـدَّل خوف الأمـّة أمناً ، وضعفها قوةً ، وهوانها شموخاً ، واسترقاقها حريةً ، وتغييبها عن العالم ، وخمولها عن إحداث التغيير فيـه ، إنطـلاقا مدويـّا ، كما تحـوَّل فقدانها الأمل إشراقاً باهراً ، ملأ نفوسها إشتعالا بحيوية التغيير ، وحماسـة النهوض ، بما لم تعهد مثله منذ عقود . وما إن استردَّت الأمّة إختيارها ، وملكت إرادتها ، حتى ألقت بمقاليد أمورها إلى المشروع الإسلامي ، فتقدّم في تونس ، واكتسح في مصر ، وارتقى في المغـرب ، وبـدا يتعاظم في سوريا ، وأخـذ يتطلع إلى الإنطلاق في سائـر البلاد العربية . وماجرى في البلاد التي نجحت فيها الثورات ، فإختارت الإسلام ، مقياسٌ واضح ، ومعيار لائح ، لصورة المستقبل في كلّ البلاد الإسلامية إذا حيل بين الشعـوب ، وبين إختيارها ، وهو أن الإسلام هو المستقبل القادم بإذن الله تعالى . ولاريـب أنّ بين التحديات التي سيواجهها المشروع الإسلامي ، وهو في موقع المسؤولية عن الأمـّة ، وبين ما كان يواجهه وهو في موقع المسؤولية عن أتباعه فحسب ، بونـاً شاسـعاً . وكذلك بين موقعه الذي سيأتي ، والأمة بأسرها تحاسبه على أدائه , وبين ما كان عليه فيمـا مضى من موقع النقد للسلطة ، والتحريض عليها ، وهو خالٍ من تحمل مسؤولية الدولة . وكم هو صادق ذلك المثـَل الذي يقول : إنّ المحافظة على القمة أشـقّ بكثير من الإرتقـاء إليها. وحتى يكون وضعنا لعناوين التحدِّيات التي سيواجهها الإسلاميون وهم في الحكـم ، في سياقـه الصحيح ، يجب أن نقدم أولاً ما يحسب في صالحهم ، وهـو ما يلـي : 1ـ أنّ إختيارَ الشعب له نابعٌ من ثقافـة الأمّـة الأصلية ، وروحها الحضارية الأساسية ، فهم عندما يختارون من يرفع شعار الإسلام ، إنما يختارون لحمتَهم ، وينصرون لواءَهم ، وبهذا فهو يتمتّع بأعظم عمق شعبي رسوخـاً ، وأبعده مـدى . 2ـ أنَّ الأسس الحضارية التي قامت من أجلها الثورات العربية _ تحريـر الفـرد ، وتكريم الإنسان ، وتقديس العدالة وإخضاع السلطة لها قبل المجتـمع ، وجعـل الأمّة هي مالكةَ أمرها _ هي أسس واضحة المعالم في الفكر السياسي الإسلامي . فالمشروع الإسلامي قـد التقى فيه نورُ الفكر الإسلامي الوضّاء ، مـع خلاصة التجارب الإنسانية الناجحة التي طـوّرت الحياة الإنسانية إلى الأحسن . 3ـ أنّ في ضميـر الشعوب الإسلامية من ثقافة الطاعة تعبـُّدا لله تعالى لمن يعزّ دينها ، ويرفع كلمة الإسلام في مواجهـة أعدائه ، وينصر قضاياه _ لاسيما في فلسطين _ ما يعـدّ أعظـم داعمٍ معنوي لأيِّ سلطة تحمل المشروع الإسلامي ، يعزِّز قوتها المعنوية في نفوس الشعب ، ويغسل عنها أخطاءهـا إنْ وقعت ، ويصرف الأنظار عن بعض إخفاقاتها إنْ حدثت . 4ـ أنّ معاناة المشروع الإسلامي من الاضطهاد ، والملاحقة ، والإبعاد ، قبل وصوله إلى الحكم ، ستجعله أكثر تفهُّما لحاجة المجتمع للعدالة ، والكرامة ، والحقوق . 5 ـ أنَّ الوازع الإيماني الكامن في حملة المشروع الإسلامي _ المعـدوم في المشاريع السياسية الأخـرى _ عـن كلِّ مـا يناقض النزاهة ، وتحمّل الأمانـة ، يُضاف إلى الرادع الشعبي الذي خلقته الثـورات ، مما يزيد من رصيد الرموز السياسية النزيهة ، فيحقق النجاحات المطلوبة شعبيا ، ومعلوم أنَّ أعظم أسباب سخط شعوبنا على الطغاة ، نهبهم ثروات الأوطان ، مما أدى إلى إنتشار الفساد ، فهلكت الشعوب جوعاً ، وفقراً ، وتخلفاً . 6ـ ستُظهر المقارنة بين إنجازات المشروع الإسلامي المتوقّعـة ، وبين ما سبقه من أنظمة حكم وصلت إلى الحضيض الأدنى ، ستُظهـر القليل من المشروع الإسلامي كثيراً ، والصغيـر كبيراً ، فمن حسن حـظِّ المشروع الإسلامي أنه جاء بعد أسوء أنظمة حكم عرفتها الأمّة ، ليحمده الناس بعد تلك الظلمات ، حتى على الإنجازات المتواضعة. 7ـ يتوافق صعود المشروع الإسلامي مع تقهقر السطوة الغربية ، وضعـف قواها ، ووهـن يفت في إرادتها ، بعد عقد من الإنهاك في حروب فاشلة ، أثمرت أزمة إقتصادية خانقة ، وذلك من أهم أسباب السقوط السريع للأنظمة الموالية للغرب. فهذه السـبع ، تحُسـب في صالح المشروع الإسلامـي . أما التحديـّات التي سيواجهها ، وستعيقـُهُ ، فهـي أيضا سبـع : 1ـ الضغوط الغربية التي سترهقه بالملاحقة ، والإنتقـاد ، والتهديد ، بغيـة أن يتحوّل إلى مجرد إمتداد لما مضى ، ومجـرد آلة حكـم جديدة تحقق أهداف الغرب في المنطقة ، ولكن بـ(ديكـور إسلامي ) هذه المـرّة ، لاسيما في القضايا الإستراتيجية ، والملفات الكبرى ، كالقضية الفلسطينية. أو تصيّد الغرب له ، وتعقّـب كلّ ما سيفعل ، وتضخيـم أخطائه ، ليثبت ما كان دائما يقوله : إسلامكم سبب تخلّفكم ! ومن أعظـم وسائـل الغـرب للضغـط ، أنّه كان قـد ربط الأنظمة السابقة به ، برشاوى بالملايين يرشي بها الجيش ، والمافيات المحيطة بالنظام ، لتبقى قبضة النظام على الدولة قوية ، ولاريب لن يدّخـر وسعا في استخدام هذه الوسيلة ضد الإسلاميين ، كلّما احتاجها. 2 ـ إتساع رقعة الفساد الذي خلفته الأنظمة السابقة ، وهذا ما سيجعل مسؤولية الإصلاح مرهقة ، ومكلفـة ، وتحتاج إلى زمن طويل ، لتظهر نتائجها ، ومن أعظم مظاهر الفساد تلك ، ربط إقتصاد الدولة بمساعدات خارجية ، تقف وراءها دول ذات مصالح ، تتناقض وأهداف المشروع الإسلامي. 3ـ أنّ منافسيه الداخليين من العلمانييّن ، وفلول الأنظمة السابقة ، لن يدخروا أيّ فرصة للتخريب ، وتحريض الغرب ، والشعب عليه ، وهم الذين لايرقبون في الإسلاميين إلاَّ ، ولاَ ذمّـة . 4 ـ قلـَّة الرموز التي تجمع بين الوعي السياسي المعاصر ، والعمق في الفكر الإسلامي ، والقدرة على إبداع الحلول العصرية . 5ـ قلة الدُّربة على إدارة الحكم ، وسياسة الشعوب ، لاسيما في ضوء شـدّة معاناة الشعوب في الحقبة الماضية ، وعلى إثـرِ تراكمـات من فساد ضارب بجذوره في جميع مناحي الحياة ! 6 ـ الخلافات الإسلامية _ الإسلامية ، وذلك التناحـر ، الذي لم يزل هو السبب الرئيس في تقهقـر المشروع الإسلامي . 7 ـ ذلك الإرتباك الذي لايزال في عقول كثير من أبناء المشروع الإسلامي _ وهم القاعدة التي تشكل العمود الفقري لنجاحه في الإنتخابات _ في فهم العلاقة بين الفكر السياسي الإسلامي ، ومبادىء إنسانية صحيحة توصل إليها الغرب بعد صراع طويـل _ أشرنا إليه في أول هذا المقال _ بسبب أنّ الغـرب يجعـل هذه المبادىء الحقـّة تحت إسـم ( الديمقراطية ) ، ويصـر أن يجعلها مقترنـة بديمقراطيته هو ، التي تعزز ثقافته فحسـب ، لجعل ثقافته بديـلا ، وفرضها على الشعوب ، في صـورة ( إحتلال ثقافي ) ! وكذلك الإرتباك وسوء الفهم للعلاقة بين المجتمع المطيع لوليّ الأمـر الحاكم الشريعة الإسلامية ، وفكرة المجـتمع المدني ، بمؤسساته التي تمتلك من وسائل التغيير الشعبية الواسعـة ، مايجعلها تزاحم السلطة الرسمية في القوة، بل تجعلها هي السلطـة . وأيضا في فهـم أنّ طبيعة المشروع الإسلامي في ضوء التعقيدات العصريـّة ، تجعل من المستحيـل عليه أن يتوصل إلى أهدافه العليا إلاّ عبر مراحل ، بما تقتضيه كلُّ مرحلة ، من شعارات ، ووسائل ، وسياسات ، تخصُّها ، ليس فيها أنْ (نعطي الدنية في ديننا) _ كما يظـنُّ الظـانّ كظنّ بعض الصحابة في الحدييبية ! _ بل إحسان السياسة بحكمـة للتوصـُّل إلى تمكين ديننا ، كما اهتدى إليه قائدُ هذه الأمّة العظيمة ، في ذلك الموقف العظيـم . وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ جماع سياسة التمرحل هذه : تقديم المصالح الراجحة على المفسدة المرجوحة ، ودفع الضرر الأكبر ، ولو بإرتكاب الأدنى ، والتضحية بتأجيـل الجزئيات في سبيل تقديم تحقيق الكليـّات ، والأهداف العظمـى . وإذا أردنا للمشروع الإسلامي أفضـل شعار للمرحلة : فهو التركيز على توفير ما ثارت الشعـوب من أجله ، ولكن في قالـب الإسلام ، وتأجيـل ما سواه إلى مراحـل لاحقـة . وأهـم ما يجب أن نبثـُّهُ في المشروع الإسلامي : 1ـ روح التوكّل على الله تعالى ، ونيّة الإنتصار لدينه ، وإعلاء كلمته . 2ـ روح الأخوّة الإسلامية . 3ـ روح التفاؤل بالغد المشرق بإذن الله تعالى. نقول هذا من باب التحريض على التزوّد للطريـق ، الذي سيكون طويلا ، وشاقا ، ومن باب التنبيه على وعثائه ، وإلاّ ..فلاريب أنّ عنوان المرحلة القادمـة ، هو تسيّد المشروع الإسلامي المشهد السياسي ، وإنطـلاق حضارتنا المشرقة في طريـق الوحدة الشاملة ، والخلافة الراشـدة بإذن الله تعالـى . وقد حدث لأمـّتنا هذا ، بمـا بارك الله في الأمـّة ، وما قذفه في قلوبها ، من الخيـر ، والعـزم ، والصبـر ، حتى ثارت هذه الثورة المباركة ، ورغماً عن أنف الغرب ، وعلى كراهية منه ، وبعد فقدانه المبادرة ، وتراجعه عن السيطرة ، بحمد الله تعالى ، وهذا مما يبعث على التفاؤل أنّ الله تعالى سيجعل بعـد هذه الثـورات _ بإذن الله _ حقبة جديدة ، يعـزُّ الله فيها الإسلام وأهله ، ويرفع فيها كلمتهم ، ويمنُّ عليهم بالتمكـين ، ولو بعد حين . والله الموفق ..وهو حسبنا .. عليه توكلنا . وعليه فليتوكّل المتوكّـلون |
اشعار عربيه و قصائد و معلقات و دوواين شعر عربى و ادب و بلاغه عربيه و نثر
إظهار الرسائل ذات التسميات الإسلاميُّون : الحكّام الجُدُد ..والتحديّات التي ستواجهُهُم. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات الإسلاميُّون : الحكّام الجُدُد ..والتحديّات التي ستواجهُهُم. إظهار كافة الرسائل
الاثنين، 20 فبراير 2012
الإسلاميُّون : الحكّام الجُدُد ..والتحديّات التي ستواجهُهُم
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)