الأربعاء، 2 مايو 2012

كيف تحفظ درساً



كيف تحفظ درساً

محمد ولد أحمد جدو الشنقيطي


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد ...
فإن من ميزات هذه الأمة التي تميزت بها عن سائر الأمم – إن لم نقل من خصائصها – ميزة الحفظ والاستظهار، فكتاب هذه الأمة لم ينْزل كما كانت تنْزل الكتب السابقة مكتوباً جملة، بل نزل منجماً متلواً في ثلاث وعشرين سنة.
ولحرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على أن لا يضيع منه الوحي كان يحرك به لسانه عند نزوله، حتى أنزل الله عليه: "لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ"، وتعهد الله له بأنه لن ينسى منه إلا ما أراد الله له أن ينساه لكونه نسخ "سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى . إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ"، ومع ذلك فقد كان يدارسه جبريل القرآن كل سنة، ويعرضه عليه، وفي الحديث القدسي أن الله تعالى قال له: «... وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان»(1). وفي صفة هذه الأمة في كتب أهل الكتاب: (.. أناجيلهم في صدورهم) (2).
وقد كان السلف لا يعتبرون الرجل من طلاب العلم ما لم يكن يحفظ ويستظهر، قال عبد الرزاق: (كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فليس بعلم) (3)، وأنشد:
ليس بعلم ما حوى القمطر *** ما العلم إلا ما حواه الصدر(4)
وقال هشيم بن بشير: (من لم يحفظ الحديث فليس هو من أهل الحديث، يجيء أحدهم بكتاب يحمله كأنه سجل مكاتب) (5)، ولمنصور الفقيه:
علمي معي حيث ما يممت يتبعني *** بطني وعاء له لا جوف صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي *** وإن كنت في السوق كان العلم في السوق(6)
والآثار عن السلف في الحث على الحفظ والتحذير من الاعتماد على الكتب والتدوين في الدفاتر يطول ذكرها، ومن ذلك قول محمد بن يسير الأزدي:
إذا لم تكن واعياً حافظاً *** فجمعك للكتب لا ينفع
أشاهد بالعي في مجلس *** وعلمي في البيت مستودع(7)
وإذا أردت أيها الطالب أن تحفظ حفظاً متقناً يبقى معك لفترة طويلة فاتبع الضوابط التالية:
1. اجعل الدرس صفحة من القرآن أو ما يوازيها من غيره إن كان نصاً نثرياً، أو عشرة أبيات على الأقل إن كان نظماً، ولا ينقص درسك عن ذلك، فإن الذي يقلل الدرس جداً يسهل عليه أن يسمعه بعد مراجعته مرات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهو يظن أنه قد حفظه، ولكن الواقع خلاف ذلك، وأضرب لك مثلاً: إنسان أمرته بحفظ قصيدة معينة فقال لك أسمعها لك بيتين بيتين إن قبلت له ذلك سوف يسمع لك قصيدة من مائة بيت في نصف ساعة، لأن حفظ بيتين لا يحتاج النظر فيهم أكثر من مرة أو مرتين، أفترى أن مثل هذا حفظ هذه القصيدة؟ إن أردت الوقوف على الحقيقة فمره بعد فترة وجيزة بتسميع بيتين فقط من هذه القصيدة فلن يستطيع ذلك في الغالب، أحرى أن يسمعها كاملة، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا الطالب الصغير الذي لا يزال مبتدئاً فلك أن تعطيه آية مثلاً أو آيتين حتى يتدرب على القراءة.
2. راجع هذا الدرس من أوله إلى آخره دفعه واحدة ولا تجزئه تجزيئاً وليكن لك ورد معين في قراءة الدرس كأن تقرأه عشرين مرة في الجلسة الأولى مثلاً وعشرين في الثانية وهكذا.
3. اجعل قراءتك لدرسك نظراً، ولا تجعل منها شيئاً غيباً.
4. اجعل قراءتك بصوت مرتفع فإنه أسرع للحفظ، قال الزرنوجي رحمه الله: (وينبغي أن لا يعتاد المخافتة في التكرار؛ لأن الدرس والتكرار ينبغي أن يكونا بقوة ونشاط، ولا يجهر جهراً يجهد نفسه كي لا ينقطع عن التكرار، فخير الأمور أوساطها).
وقال العسكري: حكي لي عن أبي حامد أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم فإنه أثبت للحفظ وأذهب للنوم، وكان يقول: القراءة الخفية للفهم، والرفيعة للحفظ والفهم.
5. لا تحاول أن تغتصب الحفظ اغتصاباً بل اجعل مراجعتك لدرسك في أوقات متفرقة، فمن كان مثلاً يحفظ الدرس من ستين مرة فليراجعه في اليوم الأول عشرين، والثاني عشرين، والثالث عشرين، وهكذا.
أما أن يجلس الطالب بين المغرب والعشاء مثلاً ليحفظ درساً لم يراجعه قبل ذلك فسوف يجد صعوبة في استظهاره في جلسة واحدة، حتى وإن قرأه مائة مرة، بل قد تكون ستون مفرقة خيراً من مائة في وقت واحد.
وينبغي للطالب في البداية أن يجرب أمر نفسه حتى يعرف كم مرة يحتاج لكي يحفظ الدرس – فإن الناس ليسوا سواء؛ منهم قوي الحافظة والبليد وبين ذلك – فإذا عرف ذلك وزعه على أوراد في أوقات متفرقة.
6. احذر من تجريب الحفظ في كل مرة فإنه مضيعة للوقت من غير طائل، والدرس إن حفظ سوف تشعر بذلك وأنت تقرؤه نظراً.
7. اجعل نهاية درس أمس بداية درس اليوم، فإنك لم إن لم تفعل ذلك فسوف تكون دائماً كلما وصلت إلى نهاية درس توقفت، إن لم تتذكر بداية الدرس الذي بعده.

هذه هي الطريقة المثلى في الحفظ: أن تحفظ الدرس بكثرة التكرار والترديد ويقابلها طريقة أخرى هي التي درج عليها كثير من الطالب اليوم، وأنا أسميها (طريقة الحفظ بالتفكير) ووصف هذه الطريقة كالتالي:
يعمد الطالب إلى الدرس فيكرر الآية الأولى منه أو البيت أو البيتين أو السطر أو السطرين قدراً قليلاً من التكرار لا يتجاوز في الغالب خمس مرات أو عشر مرات، ثم يكرر ما بعده ثم يربط بينهما ثم يكرر الفقرة الثالثة، ثم يربطها بالثانية، وهكذا إلى آخر الدرس. وفي ما بين ذلك تراه كل مرة يرفع رأسه يجرب هل حفظ أم لا؟ يحفظ الدرس في جلسة واحدة فهو يغتصب الحفظ اغتصاباً، ثم إذا جاء لعرض الدرس على الشيخ غيباً أكثر التعتعة والتردد وتكرار الآيات والكلمات انتظاراً لتذكر ما بعدها. وإذا كان في درسه غلط أو غلطان أو شك أو شكان اعتبر نفسه حافظاً، بل قد يعتبره شيخه كذلك أيضاً.
وإني لأعرف بعض الشيوخ إن شك الطالب في الدرس أو تردد لم يسمح له أن يمحوه من اللوح في ذلك اليوم، ولا أن يأخذ درساً جديداً حتى وإن رجع وأتقن حفظه وسمعه بإتقان.
وهذا الطالب الذي حفظ بهذه الطريقة لا يستطيع أن يفصل بين حفظه وتسميعه بوقت يسير نحو خمس دقائق، فإذا وجد غيره مثلاً يسمع وأمرته أن ينتظر حتى ينهي زميله لا بد أن يفتح المصحف أو الكتاب حتى يكون آخر عهده به، وإن ذهب لحاجة ثم رجع لا يستطيع أن يبدأ بالتسميع مباشرة حتى يراجع ولو قليلاً، بل إن بعضهم إذا أنهى الدرس ثم أمرته بأن يعيده ساء حفظه في المرة الثانية أكثر من الأولى.
والطالب في هذه الطريقة يعتمد على ذهنه أكثر من تكراره، فهو يعتمد في تسميعه على ضبطه لبدايات الآيات والأسطر والأبيات والصورة المرتسمة للدرس في ذهنه، تلك الصورة التي سرعان ما تذهب أو يذهب بعضها؛ لذلك فإن هذه الطريقة مرهقة للذهن تجر السآمة والضجر والملل.
وما حفظ بهذه الطريقة سرعان ما يضيع، وإن تركه فترة طويلة كشهر مثلاً ثم أراد أن يعيده كان كأنما يحفظه من جديد يقول ابن الجوزي رحمه الله في ذلك: (الطريق في إحكام المحفوظ كثرة الإعادة، والناس يتفاوتون في ذلك، فمنهم من يثبت معه المحفوظ مع قلة التكرار، ومنهم من لا يحفظ إلا بعد التكرار الكثير، فينبغي للإنسان أن يعيد بعد الحفظ ليثبت معه المحفوظ، قال: وقد كان خلق كثير من سلفنا يحفظون الكثير من الأمر، فآل الأمر إلى أقوام يفرون من الإعادة ميلاً إلى الكسل، فإذا احتاج أحدهم إلى محفوظ لم يقدر عليه.
ولقد تأملت على المتفقهة أنهم يعيدون الدرس مرتين أو ثلاثة فإذا مر على أحدهم يومان نسي ذلك، وإذا افتر إلى شيء من تلك المسألة في المناظرة لم يقدر على ذلك فذهب زمانه الأول ضائعاً ويحتاج أن يعيد الحفظ لما تعب فيه والسبب أنه لم يحكمه) (8).
ثم ليعلم الطالب أنه إذا لم يكن له ورد من مراجعة محفوظه فسوف يضيع، كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «تعاهدوا هذا القرآن فلهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها»(9). وقديماً قيل: آفة العلم النسيان. وخاصة إذا كان حفظاً جديداً فليجعل درسه الذي حفظ ورداً من المراجعة في اليومين الذين بعد يوم حفظه حتى يثبت حفظه ويرسخ، وقد ذكر لي أحد الطلاب أن طالباً سأل بعض المشايخ كيف يثبت حفظه، فقال: ما حفظت به الدرس من تكرار اضربه في عشرة ثم كرره قدر ذلك فلن يضيع منك.
قال الزرنوجي: «وينبغي لطالب العلم أن يَعُد ويقدر لنفسه تقديراً في التكرار، فإنه لا يستقر في قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ، وينبغي لطالب العلم أن يكرر سبق الأمس خمس مرات، وسبق اليوم قبل أمس أربع مرات، والسبق الذي قبله ثلاث مرات، والذي قبله اثنين، والذي قبله مرة واحدة، فهذا أدعى للحفظ»(10). قلت: وهذا قريب من طريقة طلاب المحاضر.
وحكى الحسن عن أبي بكر النيسابوري أن فقيهاً أعاد الدرس في بيته مراراً كثيرة، فقالت عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا! فقال: أعيديه. فأعادته، فلما كان بعد أيام قال: يا عجوز أعيدي ذلك الدرس. فقالت: ما أحفظه. فقال: أنا أكرر الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك(11).
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: (الغالب أن من حفظ سريعاً بدون تكرار فإنه ينسى سريعاً، ولقد كان الكثير من الطلاب قديماً يكرسون جهودهم في الحفظ، حتى كان أحدهم يقرأ الحديث أو الباب مائة مرة حتى يرسخ في ذاكرته، ثم بعد ذلك يكرر ما حفظ) اﻫ.
فإذا حفظ الإنسان حفظاً متقناً على ما بينا وراجع محفوظه المراجعة التي ذكرنا في إنه في الغالب لا يكاد يضيع منه ما حفظ، وإن ضاع استعاده بأدنى مراجعة، فهذا عاصم بن أبي النجود يقول: (مرضت سنتين فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت منه حرفاً) (12).

بقي أن نقول: إن هذا الذي نذكره هو أمور أغلبية لا قواعد كلية، فقد يكون بعض الناس حفظ بالطريقة الثانية التي وصفنا، وحفظه جيد ومتقن لأحد سببين:

1. إما لقوة حافظته – فإن من الناس من أعطاه الله موهبة في الحفظ وسرعة حتى إنه ليحفظ من المرة الواحدة فمثل هذا ليس كلامنا موجهاً له – وكما تقدم فإن على الطالب أن يختبر نفسه في أول أخذه في الحفظ حتى يعرف قدر نفسه وطاقتها، وكم مرة تحتاج من التكرار حتى تحفظ.
يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: (اعلم أن القلب جارحة من الجوارح تحتمل أشياء وتعجز عن أشياء؛ كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل ومنهم من يعجز عن عشرين رطلاً، وكذلك منهم من يمشي فارسخ في يوم ولا يعجزه، ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به، ومنهم من يأكل الطعام أرطالاً، ومنهم من يتخمه الرطل فما دونه، فكذلك القلب من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة، ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام، فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ مقدار عشر ورقات تشبهاً بغيره لحقه الملل وأدركه الضجر ونسي ما حفظ، ولم ينتفع بما سمع، فليقتصر كل امرئ من نفسه على مقدار يبقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه فإن ذلك أعون له على التعليم، من الذهن الجيد والمعلم الحاذق(13).
2. وإما لأنه يصحب ذلك بكثير من التكرار فإن بعض الناس يقطع درسه آية آية أو بيتاً وبيتاً ... ولكنه يكرر كل بيت مائة مرة مثلاً ثم الذي بعده كذلك ثم يكررهما جميعاً مثل ذلك، فمثل هذا سوف يتقن ولا شك.
وإنما حذرت من تقطيع الدرس لأن الطالب إذا كرر القطعة من الدرس قليلاً وجد أنه قد حفظها، ولا داعي في نظره لزيادة التكرار، وإلا فالمهم كثرة التكرار على أي وجه حصلت.

وفي الختام أوصي الطالب باتباع أهم أسباب الحفظ، وهي:

1- الإخلاص.

2- الدعاء، فإن الإنسان متى أنزل حاجته بالله سبحانه وتعالى استجاب له وفتح عليه، قال الله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: شرب زمزم مرة وسألت الله وأنا حينئذ في بداية طلب الحديث أن يرزقني حالة الذهبي في حفظ الحديث، ثم حججت بعد مدة تقرب من عشرين سنة، وأنا أجد من نفسي المزيد على تلك المرتبة، فسألته أعلى منها، فأرجو الله أن أنال ذلك(14).

3- ترك المعاصي فإن من أهم الأسباب المعينة على الحفظ اجتناب المعاصي وعمل الإنسان بما علم؛ والآثار عن السلف في ذلك كثيرة، منها قول ابن مسعود –رضي الله عنه-: (إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعمله بالخطيئة يعملها) (15)، وللشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال بأن حفظ الشيء فضل *** وفضل الله لا يهدى لعاصي(16) وقال الضحاك بن مزاحم: ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله تعالى يقول: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"(17)، وقال الشعبي رحمه الله: (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به) (18)، وقال الثوري: (يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل) (19).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ"، وقال: "وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً" فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظاً وفهماً لعموم قوله: "زَاَدَهُمْ هُدىً").

4- اختيار الوقت المناسب: فقد قال الخطيب البغدادي رحمه الله: (اعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد الحفظ أن يراعيها، فأجود الأوقات الأسحار، ثم بعدها وقت انتصاف النهار، وبعدها الغدوات دون العشيات، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار، قال: وإنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإن خلوه يسرع إليه الحفظ، ولهذا قال حماد بن زيد لما قيل له: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم. وليس يكون قلة الغم إلا مع خلو السر وفراغ القلب، والليل أقرب الأوقات من ذلك) (20).

5- الحفظ في الصغر: قال قتادة رحمه الله: (الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر). وقال معمر: (سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعت من تلك السنين إلا وكأنه مكتوب في صدري) (21).

6- الاهتمام: فإن من أعون الأشياء للطالب على الحفظ أن يجعل ما يريد أن يحفظه حل همه وحديث نفسه، قال الإمام البخاري رحمه الله: (لا أعلم شيئاً أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر) ثم قال: (وذلك أني كنت بنيسابور مقيماً فكان ترد إلي من بخارى كتب، وكن قرابات لي يقرئن سلامهن في الكتب فكنت أكتب كتاباً إلى بخارى وأردت أن أقرئهن سلامي فذهبت علي أساميهن، حين كتبت كتابي، ولم أقرئهن سلامي، وما أقل ما يذهب عني من العلم) (22). والبخاري هو القائل: (تذكرت يوماً أصحاب أنس فحضرني في ساعة ثلاثمائة نفس) (23)، ولما قيل له: أنت الذي تقول إني أحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: نعم، وأكثر، ولا أجيئك بحديثك من الصحابة والتابعين إلا عرفتك بمولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم(24).

7- الصبر في البداية: على ما يصيب الطالب من صعوبة الحفظ والسآمة والملل، فإنه ما يلبث أن يزول ذلك عنه ويتعود الحفظ، ويسهل عليه، يقول محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: (إن الرجل ليطلب وقلبه شعب من الشعاب، ثم لا يلبث أن يصير وادياً لا يوضع فيه شيء إلا التهمة) (25). وقال العسكري رحمه الله: (مصداق ذلك ما أخبرنا الشيخ أبو أحمد الصولي عن الحارث بن أسامة قال: كان العلماء يقولون: كل وعاء أفرغت فيه شيئاً فإنه يضيق إلا القلب، فإنه كلما أفرغ فيه اتسع، قال: وكان الحفظ يتعذر علي حين ابتدأت، ثم عودته نفسي إلى أن حفظت قصيدة قريبة من مائتي بيت في ليلة) (26).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


---------------------------------------------------
(1) أخرجه مسلم.
(2) مقدمة كتاب النشر لابن الجزري.
(3) الجامع للخطيب 2/250.
(4) الحث على الحفظ لابن الجوزي ص25-26.
(5) الكامل لابن عدي 1/95.
(6) جامع بيان العلم ص116.
(7) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/251.
(8) الحث على حفظ العلم لابن الجوزي ص12.
(9) أخرجه مسلم 1/545 ح791.
(10) الحث على الحفظ لابن الجوزي ص12.
(11) المرجع السابق ص21.
(12) سير أعلام النبلاء 5/258.
(13) الفقيه والمتفقه 2/107.
(14) انظر: جزء (ماء زمزم لما شرب له) لابن حجر ص37.
(15) سنن الدارمي 1/117 ح376.
(16) الجامع لأخلاق الراوي 2/258.
(17) فضائل القرآن لابن كثير ص138.
(18) جامع بيان العلم ص291.
(19) جامع بيان العلم ص290.
(20) الفقيه والمتفقه 2/103.
(21) سير أعلام النبلاء 7/6.
(22) سير أعلام النبلاء 12/406.
(23) هدي الساري ص488.
(24) الحث على طلب العلم لابن الجوزي ص68.
(25) الحث على طلب العلم ص71.
(26) الحث على طلب العلم ص71.

المصدر : الإسلام اليوم
 
وصايا لحفظ المتون

سليمان بن خالد الحربي
</TD< tr>

في الحقيقة الاختيار كان موفقاً في العنوان، ولم يكن موفقا في الملقي، وهذا الموضوع حري أن يطرقه من تمرس في هذا العلم تمرساً عظيماً؛ لأن هناك خلط وتخبيط في مفهوم العلم الصحيح، وطريقة الحصول عليه، فكان من الحري والمهم أن يُكثر من طرق هذا الموضوع حتى ترجع الأمور إلى نصابها الصحيح، وأقولها بصدق أصبح طلبة العلم الصغار محل تجارب في الحقيقة، كل مجرب فرح بما لديه دون النظر إلى الغاية، كل من قرأ متناً يحسب أن هذا المتن هو أفضل شيء بسبب جهله، وما درى أن هناك ما هو أحسن منه، وكل من سلك طريقا ظن أنه أحسن طريق وما درى أن هناك من هو أعلم منه، وأصبح طالب العلم المبتدي كما يقال في حيص بيص، فكان لزاماً أن ترجع الأمور إلى نصابها الصحيح، ولعلنا ننقل لكم بعض تجارب السلف والخلف وما سمعناه من شيوخنا سائلين المولى أن ينفعنا وإياكم، ولتعلموا أيها الأحبة أنه لا يمكن ثم لا يمكن أن يؤخذ طريق العلم من مبتدئ، ولا يمكن أن يؤخذ طريق العلم من متوسط، لا يؤخذ طريق العلم إلا من منتهٍ؛ لأنه هو الذي يبلغك كيف كانت النهاية، وللأسف الشديد أننا الآن نأخذ تجارب أناس لم يصلوا بعد إلى الغاية، ولم نر الحصيلة، وإذا أردت أن تعرف نهايتك فاعرف نهاية من سلك طريقك، لترى، هل النتيجة التي توصل إليها هي ما تريده؛ فإن كان هذا الذي تريده فاسلكه، وإن كان ليس هذا الذي تريد فالنزول من أول السلم أهون، ولا يمنع الإنسان عندما يسلك طريقا ويجد أنه لم يسلك الطريق الصحيح، أن يقول للناس هذا الطريق الذي سلكته غلط، ولكن للأسف قل أن نجد مثل هذا.

كان السلف رحمهم الله تعالى يحرصون على حفظ المتون حرصاً شديداً، والمتون عندهم على حسب العلم الذي يريده، فمن أراد أن يتخصص في علم: بحث عن متن له يحفظه ويضبطه ويلخص له هذا العلم؛ لأن حفظ المتن يسهل العلم، ولهذا قال الإمام السفاريني رحمه الله تعالى: ( وصار من عادة أهل العلم، أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم؛ لأنه يسهل للحفظ كما يروق للسمع ويشفي من ظما ) إذا حفظت متناً في علم ضبط لك الأمور وجمع لك العلم، ولهذا أنتم الآن تجدون خريج شريعة قرأ حاشية ابن قاسم، وقرأ بلوغ المرام مع شرحه، وقرأ العقيدة الطحاوية مع شرحها، وقرأ النحو؛ لكن هذا العلم تفلت مع أنه قد فهمه، وقد يكون تخرج بمعدل كبير، لماذا ؟ لأنه ما استمسك بحصن، وهذا الحصن هو: حفظ المتن، ولهذا قل أن تجد عالماً يكتب منظومة إلا ويقول انه سألني من سأل أن أكتب شيئاً ليضبط هذا العلم، ويمسكه بالحفظ؛ ولهذا قال الرحبي في الرحبية :
الثلثان وهما التمام *** فاحفظ فكل حافظ إمام
لا يكون الإنسان إماماً حتى يحفظ، عقل الإنسان لا يستطيع أن يسيطر على المعلومات لا يمكن، لا يمكن أن تسيطر على المعلومات مهما بلغ ذكاؤك، تغش نفسك إن ظننت أنك ستسيطر على المعلومات بكثرة القراءة والكتابة، أبداً، تجد شخصاً يبحث بحثاً فيرجع إلى مئات الكتب، ثم إذا أغلق البحث، قلت له: أعطني الخلاصة.

لا يمكن أن يكتب صفحتين؛ لأنه ما حفظه، هذا وهو لا يزال قريب عهد بهذا البحث، فكيف إذا كان بعد مدة. ولو سألت شخصاً تخرج الآن من الشريعة، بعد خمس سنوات، وقلت له: أعطني أسماء بحثك. لأخطأ في اثنين، مع أنه جلس شهراً وهو يبحث، نغش أنفسنا إن ظننا أن الذاكرة تستطيع أن تستوعب العلوم، فضلاً عن علم واحد، فضلاً عن مسألة واحدة، فلا تعتقد أنك ستنال العلم بدون حفظ المتون، هذا لا يمكن، فاختصر على نفسك الطريق احفظ في كل علم متناً أو متنين أو ثلاثة، حتى يثبت هذا العلم وترد كل فائدة إلى أصلها - والذاكرة طبيعتها إن لم ترتب تتشتت - إذا حفظت في علم العقيدة متناً أو متنين وضبطته وفهمته، ثم جاء من الغد، واستفدت فائدة عقدية، فالذاكرة بطبعها تذهب بهذه المسألة المستفادة إلى أقرب مكان لهذا المتن، فتستقر في عقلك، وأنا أشبه دائماً هذا الكلام بالبنيان تضع لك قاعدة تبني عليها ما تشاء، لكن إذا لم يكن هناك قاعدة تشتتت هذه الفائدة وذهبت، ثم تقول أذكر أنني قرأتها وأذكر أنني كتبتها وأذكر أنني أخذتها، ثم هذا الكلام لا يفيد ولا يشفي غليلاً، لكن إذا كان الإنسان عنده قاعدة ثبتت في مكانها، ولذلك انظر لشخص متفنن يهتم بحفظ أرقام السيارات أو أرقام الهواتف الجوالة يحفظها من مرة واحدة، هذا ليس زيادة في عقله وذكائه، أبداً، وإنما لوجود طريقة ترتيب، ولهذا تجد أهل العلم من قرأ المدونة للإمام مالك خمسين مرة من أجل أن يحفظها، تجد بعض أهل العلم قرؤوا الرسالة للإمام الشافعي أكثر من مئة مرة، هل لعدم وجود غيرها؟ لا. بل لأنهم علموا أن هذا أصل وما عداه فرع.

ولهذا قال لنا شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى كلمة عالقة في ذهني عندما قيل له: إن هناك من يقول إن العلم هو الفهم والبحث، وليس العلم هو الحفظ، قال الشيخ رحمه الله تعالى: هذا الكلام ليس بصحيح، ونحن الآن بلغنا ما بلغنا - وهذه عبارته - وما معنا إلا ما حفظنا: زاد المستقنع بلوغ المرام وأخذ يذكر المتون التي حفظها. ولهذا انظر في الفتوى تجد الفتوى عند شيوخنا منضبطة لأنهم سلكوا الطريق الذي عليه في العهد الأول بخلاف غيرهم لماذا؟ لأنه ما أخذ العلم على أصوله ، وهو حفظ المتون إذا سمعت مسألة في العقيدة وأنت ما تحفظ شيئاً كيف تردها إلى أصلها هذا لا يمكن ، فعلم العقائد الآن تجلس مع شخص ليس عنده شيء؛ ما حفظ شيئاً، وتقول له: أعطني مسائل في العقيدة. ما عنده شيء، وكلما سمع مسألة تذكر منها شيئا لكنه إذا كان قد حفظ العقيدة الطحاوية أو حفظ العقيدة السفارينية أو حفظ منظومة الحكمي أو حفظ كتاب التوحيد أو حفظ الأصول الثلاثة أو حفظ العقيدة الواسطية كل مسألة ترد عليه سيجد لها مكانا يناسبها، والمتون فيها علم غزير، عندما تحفظ قول الطحاوي رحمه الله تعالى: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره، قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام، ...إلخ. العبارات هذه لو دققت في معناها لوجدت أنها تشير إلى فرقة المعتزلة وتشير إلى فرقة الأشاعرة لم يزل بصفاته قديماً قبل خلقه .. ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، له معنى الخالق ولا مخلوق، هذي معاني كلامية عجيبة وقوية وكبيرة جداً، السامع يقول هذه لا فائدة منها، أو معروفة، لا ، تشير إلى ألغاز عظيمة وكبيرة جداً لكن متى تعرفها ؟ عندما تضبط هذا المتن، ما تكون مشتتاً، عندما تسمع المسألة، ولا تعرف عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله جل وعلا هل هي قديمة، وقول المعتزلة ماذا وقول الأشاعرة ما هو؟ بهذه المتون تستطيع، وبغيرها لن تستطيع أبداً، لا تقول: أنا أقرأ وأفهم المتن ويكفي، لن تستطيع أن تستوعب المتن حتى تحفظه، عندما تقرأ في باب زيادة الإيمان ونقصه، كيف ترتب المعلومات؟ لما أقول لك تكلم عن عقيدة أهل السنة والجماعة، باب الإيمان هل هو يزيد و ينقص؟ إذا لم تكن حافظاً للمتن فستجد أنك مشتت.. لكن تقرأ:
إيماننا يكون بالطاعات *** ونقصــه يكـون بالزلات
وأهله فيه على تفاضل *** هل أنت كالأملاك أم كالرسل
عندما تقرأ مثل هذه المتون وتحفظها وتضبطها، وتقرأ شروح كثيرة لها، تجد أنك استوعبت شيئاً كثيراً في زمن قصير، هذه فائدة المتون أيها الأحبة عندما أريد أن أقرأ في الفقه، الفقه الآن كثير من الناس قرأ الزاد وقرأ الحاشية لكن لما نسأله، نقول: ماهو تعريف البيع ؟ البيع !! البيع !! . لكن لو كان حفظ الزاد قال : هو مبادلة مال بمال ولو في الذمة أو منفعة مباحة على وجه التمليك غير ربا وقرض . شروطه سبعة .... ينقسم إلى قسمين صحيح وفاسد والفاسد ثلاثة شروط والصحيح ثلاثة . الخيار ينقسم إلى سبعة أقسام خيار شرط وخيار غبن وخيار مجلس وخيار تخبير الثمن ..... تجد أنك تربط المعلومات بسرعة ، ما تحس إن عندك تشوشاً . لما نأتي في النكاح : أركان النكاح شروط النكاح من يستطيع أن يستوعب بسرعة العقل ما يمكن يا إخوان لا يمكن أن تستوعب هذا بسرعة لا يمكن ، لا يمكن .بينما المتن يجعلك تمشي على نور كأن أمامك سراج يمشي أمامك من حين ما تأتيك مسألة في الظهار عقلك يفتح على باب الظهار، تأتيك مسألة في النكاح عقلك يفتح على باب النكاح تأتي إلى شروط النكاح عقلك يفتح على باب النكاح لكن لما تُسأل عن مسألة تجد أنك مشتت الذهن، وهذا التشتت الذي يعيش به كثير من الطلبة سببه عدم حفظ المتون واسأل مجرب، اسأل مجرب، يحس إن له ثلاث سنوات أربع سنوات خمس سنوات ست سنوات في العلم وإلى الآن يحس أنه ما مسك شيئاً سببه عدم حفظ المتون . لابد من حفظ المتن، أنا مثلاً الآن أدرس في التجويد مثلاً، وأقول: متى ترقق الراء ومتى تفخم عندها مباشرة تذهب إلى منظومة الجزري : ورقق الراء إذا ما كسرت كذك بعد الكسر حيث سكنت . عندي الآن وضوح لا يمكن أن أتشتت أو أجلس لأتذكر . لما أقرأ في القراءات مثلاً: حفظ منظومة الشاطبي، كيف أعرف الفرش وأنا لم أحفظ، إذا أردت أن أقرأ سورة البقرة تنفتح أمامي الشاطبية:
وما يخدعون الفتح من قبل ساكن *** وبعد ذكا والغير كالحرف أولا
وخفف كوف يكذبون ويــاؤه *** بفتح وللباقين ضـم وثقــلا
وقيل وغيض ثم جيء يشمهــا *** لدى كسرها ضما رجال لتكملا
وحيل بإشمام وسيق كمـا رسـا *** وسيئ وسيئت كان راويه أنبـلا
أريد أن أقرأ عــم يتساءلون :
وقل لا بثين القصر فاش وقل ولا *** كذابا بتخفيف الكسائي أقبلا
إذن الكلام ليس فيه تشتت ولا عندي تردد الكلام واضح أنا أقوله وهو في عقلي . ولهذا ابن حزم رحمه الله تعالى كان عنده مكتبه عظيمة جداً ، فوشى به الناس، وأصبح السلطان يريد أن ينتقم منه فأمر بإحراق كتبه رحمه الله تعالى، فجاؤو إليه وطرقوا عليه الباب، وأرادوا أن يحرقوا كتبه فماذا قال وهم يحرقون الكتب – انظر إلى القوة- قال :
إن تحرقوا القرطاس لن تحرقوا الذي *** حوى القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي *** وينزل إن أنزل ويدفـن في قبري
يعني انظر كيف تكون الثقة؟ الكتب محفوظة في الصدور ليست في السطور، المعلومات التي في السطور تنسى والمعلومات التي في الصدور تبقى وتحضر مع الإنسان أينما سار أينما ذهب هذه المعلومات موجودة، التي هي المتون.
( وقد سمعت من شخص: أن هناك مفتياً في الحج وكل ما سئل فتح كتاب الشيخ شرح زاد المستقنع هو يشكر على أنه لايريد أن يغرر لكن لماذا تضع نفسك في هذا الموقف والعلم ليس في صدرك ).
لما تسأل مثلا في النحو: ما هي علامة الاسم؟ تحتاج تذكر . لكن لما يحفظ الألفية:
بالجر والتنوين والندا وأل *** ومسند للاسم تمييز حصل
والفعل :
بتا فعلت وأتت ويفعلي *** ونون أقبلن فعل ينجـلي
سواهما الحرف كهل وفي ولم .
إذن المتن يعطيني ثقة بضبطي للعلم، المتن يعطيك ثقة فلا تحتقر حفظ المتون . لا يمكن أن تسود في هذا العلم حتى تبلع المتن وتحفظه.

(جلست مع واحد يخرج الحديث ويهتم بالحديث ولا يوجد حديث إلا ويبحث عن أسانيده. جلست معه قلت: ما هو تعريف الحسن ؟ قال: الحسن !! الحسن !! ولم يعرف .. هو الآن يصحح ويضعف . قد يتصوره لكن انظر كيف ما استطاع أن يترجم . كيف ! هذا لا يُقبل هذا شخص يصحح ويضعف ولا يستطيع تعريف الحسن. لكن لو حفظ ألفية العراقي :
والحسن المعروف مخرجا وقد *** اشتهرت رجاله بذاك حد
حمد وقال الترمذي ما سلم *** من الشذوذ مع راو ما اتهم
الآن في هذه المنظومة عرف الحسن بأربع تعريفات. يا إخوان المنظومات للأسف التي هي الطريق الصحيحة للعلم كما قلت الآن تغيب، وثق أنك لن تبلغ مبلغ أهل العلم حتى تسلك طريقهم، ثق بهذا. وكما قلت التشتت والتشويش الذي تعيش أنت فيه وتحس أنك لا زلت لك ثلاث سنوات أربع سنوات ثق أنه من عدم ضبط المتون هذه المقدمة اختصرتها أريد فقط أن أحيي مبدأ المتن سواء كان نظماً أو نثراً في أنفسكم . فإياك إياك أن تحتقر حفظ المتون، في الفرائض مثلا : بنت الأخ ترث أو ما ترث ؟ انظر التشتت عندك تحتاج إن تقف قليلاً، لكن من حين ما تسمع السؤال اذهب:
والوارثات من النساء سبــع *** لم يعط أنثى غيرهن الشـرع
بنت وبنت ابن وأم مشــفقة *** وزوجة وجدة ومعتقـــة
والأخت من أي الجهات كانت *** فهـذه عـدتهـن بـانت
إذاً ليست معهن، لكن لو أني ما حفظت شيئاً: فإني سأعيش تردداً.
العلماء يا إخوان سهلوا لنا العلم فجزاهم الله عنا خير، وبلغوا العلم بهذه الطريقة.
أجلس مع شخص له سنة في طلب العلم وبدأ في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية أو بدأ في كتب ابن القيم وأسأله كيف أنت مع المتون فيقول : لا . مايحتاج أنا أفهم المسائل وأدققها وأحققها!!. يا إخوان العلم صعب، وأخصر الطرق للوصول إليه طريقة هؤلاء العلماء. اسلك طريقهم وسترى، وجرب في أي فن، في فن البلاغة، فن النحو، فن الفرائض، فن التجويد، اضبط لك متناً وانظر كيف يكون فهمك لهذا العلم. بل بالعكس يجعلك تبحث عن الفوائد المتنوعة من أجل أن تجيد هذا المتن مباشرة تجد أن المتن جعل العلم أمامك واضحاً.
كلما كان الحفظ قوياً والفهم قوياً كلما كان العلم متركزاً ثابتاً كرسوخ الجبال.
هذه من أهم الأشياء أن نحييها ( أنا نحفظ المتون ) العلم الذي تريد تبرز فيه اعتن بالمتون، المتن سيوصلك إلى ما تريد بأمر الله جل وعلا، فإن أخذت يميناً ويساراً ضعت، والله لو قرأت المطولات في هذا العلم.
مثلاً: أصول الفقه تقرأ شرح الكوكب المنير، وتقرأ شرح سليمان الطوفي على البلبل، وتقرأ شرح الروضة، وتقرأ وتقرأ، أتحدى أن يكون هذا الذي قرأ هذه الكتب الكبيرة بنفس معلومات الذي حفظ منظومة العمريطي مئتين بيت فضلاً عمن إذا حفظ منظومة السيوطي في الكوكب الساطع، وهذا عن تجارب، تجد أنه مشتت يعطيك معلومات كبيرة متعددة ولا يدري ما سؤالك، لكن من حفظ المتن وفهمه وضبطه وحفظه ودرس على أحد الشيوخ المتمكنين تجد أن معلوماته راسخة وواضحة ولا يمكن أن يخلط. والعلم يا إخوان رحم فيما بينه، أنت تحفظ الآن منظومة في علم تفيدك في علم أخر ، لا تقول أنا حفظت هذي خلاص تخصصت في كذا ( لا ) . إذا حفظت منظومة مثلا في أصول الفقه أفادتني في التفسير وأفادتني في النحو. لما أقول مثلاً:
إذا جواب وجزاء صاحـبا *** وقيل دائما وقيل غالبــا
للشرط إن والنفي والزيادة *** والشك والإبهام أو أفادت
هذا أفادني في معاني حروف الجر، وإن جئت للتفسير فهمت معنى قوله تعالى: ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾
إن معناها : شرطية ، أبدا أتذكر منظومة في أصول الفقه (للشرط إن) هل هي شرطية ؟ لا، (والنفي) إذن إن تأتي بمعنى نفي (ما) ما عليك إلا البلاغ، إذن صح، صارت (إن) نافية، على أن المنظومة في أصول الفقه.
فقدر ما تستطيع أكثر واحفظ وحاول أن تجمع معلومات كبيرة جدا في المنظومات وفي فهمها ستجد انك قطعت مشواراً كبيراً جداً في مدة قصيرة.
يا إخوان: اختصروا الوقت ، اختصروا الوقت قدر ما تستطيعون.

إذن:
أول أمر الآن نقول: إن حفظ المتون هذا هو السبيل الصحيحة للوصول إلى العلم ، غيره لن يوصلك إلى ما تريد، ثم بعد العزم على حفظ متن، يأتي:

الأمر الثاني: وهو الاستشارة في حفظ المتن، وانتبه لا تستشر من كان مبتدئاً أو متوسطاً في العلم، بل استشر المنتهين الذين وصلوا في العلوم الشيء الكثير يعني مثلاً تسأل في الفقه مثلا : واحد يقول: عمدة الفقه وآخر يقول: أخصر المختصرات وثالث يقول: زاد المستقنع ورابع يقول: دليل الطالب. فالذي حفظ زاد المستقنع سيمدحه لك، أليس كذلك كل يمدح ما عنده. إذن من أستشير؟ استشر المنتهي أو قل للمبتدي: من قال لك هذه المعلومة، فيعزوا هذه المعلومة إلى شخص منتهٍ، لأنك تطمح أن تكون أفضل منه.
مثلاً: رأيت علم ابن عثيمين كيف وصل إلى هذا المستوى، كيف وصل الشيخ محمد رحمه الله إلى هذا العلم كيف رفعه الله؟ انطبق عليه قول الله جل وعلا نحسبه والله حسيبه :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾ الشيخ محمد ما رفعه وظيفة، ماله منصب رسمي ليس من اللجنة الدائمة، وليس مفتياً، وليس عنده دال، وإنما مدرس في معهد علمي ثم انتقل إلى كلية. كيف وصل صيته إلى آخر العالم ﴿ يرفع الله ﴾ قد يكون شخص له وظيفة رسمية تبلغه الأماكن. لكن شخص يصل العالمية، فانظر إلى هؤلاء كيف وصلوا واستشرهم في المتون، استشر، فهذا الشيخ عندما تستشيره سيقدر سنك، سيقدر مستواك، سيقدر اهتمامك، سيقدر هل أنت متفرغ للعلم أو لا، بعض الناس مثلا يحفظ منظومة في ألف بيت وهو غير متفرغ للعلم ، ما يمكن لكن مئة وعشرين أو مئة وخمسين إلى مئتين ممكن يتقنها، لأنه سيبدأ بعشرين ثلاثين أربعين خمسين ثم يقول الله المستعان طويلة ويتركها.

الأمر الثالث في حفظ المتون وأنا أركز عليه كثيراً: لا يكن همك الحفظ إياك أن يكون فقط اسم حافظ غايتك. وهذا للأسف أنه منتشر أن الناس يعني أني حفظت المتن أريد أن أتخلص منه ( لا ). اجعل همك في حفظ المتن انك تضبط، المتن يأتيك مباشرة إذا كان المتن ما يسعفك عندما تريده اعرف أنك لم تضبطه. وإذا كانت المعلومة تأتي إلي من حين ما يأتي السؤال أو أريد أن أتكلم جاءت المعلومة إلي فأنا بذلك أكون قد ضبطت، أتكلم أنا الآن في أقسام ( أل ) ما هي أقسام ( أل) ؟ مباشرة المتن يأتي إلي :
لـلام أل حالان قبل الأحرف *** أولاهما إظهارها فلتعرف .
إذن أنا ضابط هذه المنظومة. الضبط في فهمه، تفكك عباراته تفكيكاً جيداً وهذا لا يكون إلا من خلال شيخ ضابط ومن خلال المراجعة الذاتية، أجلس مع الشيخ وأحاول أخذ المعلومات منه كما هي، إذا ذهبت إلى البيت أبدأ بمراجعة المتن، أحاول أستظهر المعاني، ماذا أراد المؤلف من هذا البيت، يكون عندي كتب للمراجعة لفك هذا البيت، يعني اشتر كتاباً كتابين قد شرحوا هذا المتن أرجع إليه مباشرة وأضيفه إلى ما ذكره الشيخ. بهذا يكون الإنسان قد استفاد من المتن استفادة كبيرة، إذن الأمر الثالث: لا يكن همك حفظ المتن فقط، أنا أخشى أن يكون هذا شهرة، وبدون مبالغة أنا أعتقد أننا ابتلينا بهذا الزمن أسأل الله أن يعافينا وإياكم من ذلك.
حفظت متناً في النحو على أساس أني أقوم لساني، حفظت متناً في الفقه على أساس أن أعرف الفقه، حفظت متناً في المصطلح على أساس أن أعرف مصطلحات أهل الحديث، حفظت متناً في علم أصول الفقه حتى أضبط الكلام وحتى أضبط المقدمات المنطقية وحتى أضبط الحدود، أيضاً حاول أن يكون لك شرح على هذا المتن تأخذ من هذا الكتاب ومن هذا الكتاب وتذكر ما ذكره شيخك وتزيد عليه، وهناك أمثلة عديدة لطلبة العلم ممن كانوا يحضرون معنا عند شيوخنا وكانوا - سبحان الله - والله يؤلفون كتباً يأتي مثلاً: في منظومة الشاطبي رحمه الله في الرسم يذهب ويحضر عند الشيخ الفلاني ليكتب الزيادة والشيخ الفلاني ثم بعد ذلك يكون عنده شرح متكامل على هذه المنظومة في الرسم بهذا يبلغ الإنسان الاستفادة الكاملة من المتن.

الأمر الرابع في حفظ المتون: إياك والتزاحم، لا يتزاحم العلم حاول قدر ما تستطيع ألا تزحم هذا العلم بشيء آخر، وأعني بذلك حفظ المتون، ليس حضور الدروس والقراءة، لا، بل أقصد بذلك حفظ المتن، حاول إن تتخصص في هذا المتن الآن، ثم بعد ذلك تنتقل إلى غيره؛ لأن الحفظ لا سيما إذا كنت مبتدئاً، المتوسط والمنتهي ممكن إنه يخلط، لكن بالنسبة للمبتدي لا يستطيع لأن خبرته في الحفظ قليلة، فلا تحاول أن تزاحم بين المتون ولا تحفظ متناً في النحو ومتناً في الحديث .. العقل يحتاج إلى وقت لاستيعاب هذا الكم من المعلومات، العقل أيها الأحبة ليس شيئاً مثل الكمبيوتر يستطيع أن يجمع كل شيء، ما يستطيع ولكنه كل ما أتى الشيء قليلاً قليلاً تجد أن العلم يضبط، أنا الآن أخذت متناً في أصول الفقه أو في النحو أو في الفقه أو في الفرائض لما حفظت البيتين أو الأربعة أو الخمسة وأغلقت الكتاب بفطرتي تجد عقلي يفكر في هذه الأبيات، هذا التفكير من أنفع ما يكون للذاكرة، ومن أنفع ما يكون للضبط والفهم، لكن إذا كنت من يوم أغلق المتن انتقل إلى متن ثان وألغيت المعلومات التي حفظتها، ودخلت الآن معلومات ثانية تحولت بالذاكرة إلى مكان آخر. لا تجد الذاكرة وقتاً للتحليل؛ لأنك قد تستنبط أشياء في هذا المتن أشياء كبيرة جداً، لكن متى يأتي هذا؟ العلم يأتي بقدر لا تستعجل تجمع لك خمس متون ست متون ثم تكون فعلاً حافظاً لكن ما ضبطت. خصص للمتن وقتا كبيراً للتأمل والمراجعة ، كم من الناس الآن نسي كتاب التوحيد بعد أن حفظه، تدرون لماذا؟ لأنه لما حفظ الباب الأول أغلق الكتاب وسمع على الشيخ، هي نهاية تفكيره في الباب.

الأمر الخامس في حفظ المتون: المراجعة، إياك أن تحفظ لمتن ثم تتركه، كثير من الناس يحفظ المتن ثم يتركه وينتقل إلى متن ثان، كأنه في الصف الأول نجح منه وانتهى منه، هذا غلط، إذا حفظت المتن وضبطته هذه نعمة إياك يفلت منك، وضبط متن واحد وفهمه ومسكه أولى من الزيادة عليه بخمس متون من نفس العلم ما مسكت منها شيئاً. حاول كلما ذهب فترة تجعل لك مراجعة، ودائماً أبيات المنظومات سهلة المراجعة يعني كل ما ضبطت مرة مرتين ثلاثاً تجد الأبيات سهلة عليك، إذن: المراجعة جانب مهم جداً.

الأمر السادس: لا تحتقر ذاكرتك، كثير من الناس يحتقر ذاكرته يقول أنا والله ما أستطيع، ولما يجلس مع واحد يسمع بشكل سريع يقول: هذا الله معطيه، وأنا أتردد كثيراً ولا أستطيع، هذا ليس بصحيح، نعم الله جل وعلا فضل بعض الناس وأعطاهم ذاكرة قوية لكنهم ندرة، الناس متقاربون الفرق في قوة الحفظ. مثلاً: الذي قرأها مرتين ثلاث مرات عشر مرات يريد أن يسمع بسرعة هذا صعب، هؤلاء الحفظة الأقوياء أعطاهم الله ميزة ممكن، لكن أكثر الناس من البشر لا يمكن أن يفعل هكذا. لابد يكرر البيت الواحد خمسين ستين مرة، لا تستغربوا هذا الكلام لست مبالغاً، لم أقل هذا الرقم للمبالغة، لا والله . تكرر البيت بعينك ستين مرة هناك ستجد أن هذا البيت نحت في عقلك. ولهذا أذكر قصة ذكرها الخطيب البغدادي أن محدثاً كان يسمع من شيخه أربعة أحاديث ثم يأتي إلى بيته ويجلس عند جدته، وإذا رجع إلى البيت أخذ الأوراق فكان يقول: حدثنا فلان حدثنا فلان حدثنا فلان حدثنا فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعيده، حدثنا فلان حدثنا فلان حدثنا فلان، مئة مئتين مرة وهو يعيد هذا، فكانت جدته تقول يا بني إن لم يفتح الله جل وعلا عليك في العلم فاتركه، أنا حفظته من المرة الرابعة، تقول له هكذا، فتقول له يعني إن كان صعباً عليك لهذه الدرجة فلا داعي لسلوك هذا الطريق، فكان يسكت، فلما ذهب عشرة أيام، جاء إليها، وقال: يا أماه، أعيدي علي ما حفظت فلم تعرف شيئاً. فأعادها عليه، أعاد الحديث الأول والثاني والثالث والرابع في اليوم الأول ثم أعاد الحديث الأول الثاني الثالث والرابع في اليوم الثاني. انظر كيف يثبت الحفظ! أربعة في عشرة أربعين حديثاً، ما نقص منها كلمة واحدة . قال: لهذا كررت العلم.

وكان شيخنا يقول لنا حفظه الله في مكة، كنا نأتي في الحفظ فنريد أن نقرأ على الشيخ مباشرة قبل ما يشرح. فكان يقول إذا كنت أتيت للشيخ وأنت كرجل وضع على رأسه (زجاجة) أو إناء يخاف عليه من السقوط معناها أنك ما حفظت، فلابد من التكرار. ولا تحتقر ذاكرتك، فالخلل ليس في ذاكرتك، الخلل في طريقتك، جرب وأنت الحكم.
يحكى أن رجلاً كان يسافر لحفظ الحديث، دخل على الشيخ الأول فسمع ولم يمسك العلم، ثم مر على الشيخ الثاني فسمع ولم يمسك العلم، ثم خرج من البلدة عائداً إلى بلده تاركاً العلم، قال: لست من أهله، وفي طريقه مر على عين تنبع وتقطر على حصاة كل دقيقة قطرة، فنظر إلى الحصاة فإذا هي قد تأثرت، حصاة تأثرت من نقطة، تنزل باستمرار نقطة نقطة. قال لئن أثرت هذه القطرة على صفاة فلأن تؤثر القطرة على قلبي من باب أولى، سيثبت العلم لكن لا أستعجل، فعاد من توه إلى ذلك البلد الذي خرج منه.

الأمر السابع : من المهم الإكثار من حفظ المتون قدر ما تستطيع ، احفظ في كل فن ما استطاعت ذاكرتك أن تحفظ لأنك ستجد له فائدة عظيمة جداً في ثبات العلم وفي تكراره وفي الزيادة في هذا الفن ، وتدرج ، لنذكر متنا في أصول الفقه مثلا: فيبدأ الإنسان في الورقات للإمام الجويني، متن مختصر جداً، وهو من أئمة الشافعية، لا يتجاوز العشر أوراق هذا فيه مقدمة في أصول الفقه، لما تقرأه يعطيك فهرساً لعلم أصول الفقه كله، عشر أوراق تأخذ فيه المعلومات الأساسية، والفهرس العام لعلم أصول الفقه، من بدايته إلى نهايته، وما هي أبوابه المهمة التي تذكر فيه، هذا سهل على الذاكرة، ثم تزيد عليه متنا آخر، وابدأ بحفظ نظم الورقات للعمريطي فقد زاد فيها علماً كثيراً على الأصل لأنه جاء بالورقات فأراد أن ينظمها قال :
وقد سئلت مدة في نظمه *** مسهلا لحفظـه وفهمه
فلم يكن مما سئلـت بدا *** وقد بدأت فيه مستمدا
من ربي التوفيق والسـداد .
لما بدأ ينظمها وجد أن هناك نقص في الأصل من الأمثلة، من بعض التعاريف، من كذا وكذا، فماذا فعل ؟. زاد، فبلغت قرابة المائتين بيت، فالآن تدرجت، إذا وجدت في نفسك قوة في الطلب، انتقل إلى ما بعده وليكن المنهاج للبيضاوي مثلاً، أو الكوكب الساطع للسيوطي، أو التحرير لابن النجار هذه كلها في الأصول، وكلها متساوية، إذا حفظت الكوكب الساطع فقد حفظت علماً عظيماً، هذا للسيوطي رحمه الله تعالى، نظم فيه جمع الجوامع ، جمع الجوامع لمن ؟ لتاج الدين السبكي، هذا نهاية علم الأصول كتاب عظيم جداً مختصر جمع الجوامع، وليس مختصراً يعني انه قصير، لكنه مختصر في علم الأصول فإن انتقلت بعد ذلك إلى مختصر ابن الحاجب، ولو قرأت كلام أهل العلم، ومنهم الذهبي في السير على مختصر ابن الحاجب لوجدت أنه يتكلم كما يتكلم عن ديوان من دواوين الإسلام، ولا يقبلون ألا لمن قد قرأ مختصر ابن الحاجب وقرأ عليه أكثر من حاشية - رحمهم الله - .

فأكثر من حفظ المتون في كل فن، لا تقول أنا ما قصرت حفظت متناً واحداً، إن كنت تريد الوصول إلى مستوى عال جداً فأكثر من حفظ المتون في كل فن، وابدأ بالتدرج لا تبدأ من النهاية، يبدأ البعض بالكوكب الساطع قرابة ألف وأربع مئة وخمسين بيت، هذا يعطن ، لا سيما وليس عنده مقدمات، لكن لو أنه حفظ الورقات ثم النظم ثم قرأ في مختصر البيضاوي ثم تأهل للكوكب الساطع سيجد أنه قد حاز علماً عظيماً، ولا يمكن أن يرد عليه مسألة في الأصول إلا يعرفها، نرجع إلى الكلام.

إذا أتينا مثلاً لعلم النحو: لا أبدأ بالألفية أو الكافية واحفظها وأقول لماذا أبدأ من الصفر؟ هذه فعلا نظرة موجودة، لكن ما تستطيع، العلم يأتي بالتدرج، ابدأ بالآجرومية، لا تقول والله أنا متعدي ومتأهل، نعم إذا قرأت المتن فوجدت أنك تحفظ التعاريف، وتدرك الأدوات والحروف وجميع الأحكام ، هنا لا حاجة لحفظه، لكن لو قلت لك ما هي أدوات الشرط التي تجزم فعلين؟ تقول حرف أو حرفين، أين البقية؟ إذن أنت لم تدرك هذا المتن إلى الآن فابدأ بتدرج، ابدأ بالآجرومية، ثم إذا تأهلت إن كنت ممن يحب النظم فانتقل مباشرة إلى ملحة الحريري في أربع مئة وثلاثين بيت تقريبا وهي منظومة سهلة جداً جداً، أبياتها ليست معقدة وهي من أسهل المتون، وقد ألفها الحريري رحمه الله تعالى حسب ذاكرتي في يوم واحد، أو في أسبوع نسيت الآن، وهذا من عجائبهم رحمهم الله تعالى بعد ذلك إن رأيت أيضا أن تقوى ذاكرتك على المواصلة فلا تترك الألفية، فإنها علم عظيم وقد كان الشيخ محمد رحمه الله تعالى يغلو بها غلواً شديداً هذه الألفية، ولا يكاد يمر درس إلا ويذكر بيتاً أو بيتين من شدة تعلقه بهذه المنظومة وكان يراجعها رحمه الله إلى آخر حياته، وللأسف أن كثيراً من الناس لا يهتم بعلم النحو، يقول الناظم رحمه الله تعالى :
وبعضهم يفتي وهـو جاهل *** إعراب بسم الله عنه ذاهل
فليس من أهل اللسان العربي *** وفي الأصول ماله من أرب
ومثل هذا لا يكون مرشـدا *** لجهله النحو ومما أنشـدا
وكلمة ابن مالك في الكافية *** إذ قال في بيتين وهي كــافية
وبعد فالنحو صلاح الألسنه *** والنفس إن تعدم سناه في سنـة
عليك بالنحو فإن النحـوا *** لحن الخطاب لفظه والفحـوى
ما معنى سنة ؟ يعني غفلة، إن تعدم الألسن النحو فإنها في غفلة، فأنا أهيب بالإخوة أن يعتنوا بعلم اللسان، فإذا أخذه بالتدرج، بدأ بالآجرومية ثم الملحة ثم بعد ذلك انتقل إلى الألفية أو توسط في مثل قطر الندى، ينظر إن كان حفظ المتن الشعري أسهل له يمسك متناً شعرياًَ، أو كان حفظ المتن النثري أسهل له فيمسك قطر الندى أو ما أشبه ذلك.

كذلك لو أردنا مثلاً علم العقائد: يبدأ بالأصول الثلاثة وكما قلت الأصول الثلاثة فيها خير عظيم جداً فأن كنت أتقنتها، فالحمد لله، لكن كيف يكون الاتقان؟ ليس معرفة ما فيها فقط، وإنما تعرف ما هي الأحكام التي فيها، وماذا قال الشيخ رحمه الله تعالى فيها، هناك تكون متقناً لها، أما أن تقول: تكلم عن معرفة العبد ربه ودينه ونبيه وإذا قيل لك: ماذا قال الشيخ عن أحكام الهجرة؟ لا تجيب، إذن أنت لست حافظاً لها . فأن أجبت فأنت حافظ، ثم بعد ذلك تعرج على كتاب التوحيد وهو كتاب عظيم جداً، في حفظه بركة، أتدرون لماذا ؟ لأمرين : الأمر الأول : لأنه يتعلق بالله جل وعلا وبتوحيده. الأمر الثاني : أنه من الكتاب والسنة وأقوال السلف، ليس فيه حشو كلام، فقط قال الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم لعله يذكر ما ذكره أهل العلم شرحاً للحديث أو تخصيصاً أو إطلاقاً أو تخصيص مطلق أو استثناء من عام، وهو في توحيد الألوهية، ثم بعد ذلك يعرج على العقيدة الواسطية فقد تأهل لها، والعقيدة الواسطية ليست في الأسماء والصفات فقط كما يظن بعض الناس، لا، بل في جميع أبواب التوحيد، تكلم عن القدر، وتكلم عن الأسماء والصفات، وتكلم عن خصائص أهل السنة والجماعة، وتكلم عن الإمامة، وتكلم عن الخلق، أمور عظيمة جداً فلا ينبغي للإنسان أن يترك هذا الكتاب، بدون حفظ وإتقان. ثم بعد ذلك تأهل للعقيدة الطحاوية وهي عقيدة رائعة جداً لا سيما أنها من إمام متقدم وإن كان هناك بعض المخالفات القليلة جداً في هذا المتن إلا أنه لا ينبغي أن يترك مثل هذا المتن، إذا قرأه على شيخ فإنه سيذكر له ما يفيده، ثم بعد ذلك إن أراد أن يحفظ منظومة الحكمي في العقيدة وهي تقريباً في مائتين وتسعين بيت، وهي أيضا منظومة رائعة جداً حافلة، وخاصة في توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية، ثم في أبواب الإيمان ثم ذكر ما يتعلق بيوم القيامة والبعث والنشور والقبر وأحكام البرزخ، ثم بعد ذلك إن أراد أن يتدرج، فيحفظ العقيدة السفارينية، وهي من المتون المهمة التي اعتنى بها أئمة الدعوة واعتنى بها علماؤنا، فقل أن تجد شيخاً من علمائنا إلا وشرح هذه المنظومة، وهي كما تعلمون في قرابة المائتين وعشرين بيتاً، هذا هو التدرج في المتون، فلا يخطوا إلى متن قبله شيء ما أتقنه، ما الذي يفيده هذا التدرج؟ ثبات العلم إذا تدرجت في العلوم تجد أن العلم يثبت ويرسخ ويزيد، في الأصول الثلاثة مثلاً: قرأت دليل النذر دليل الدعاء دليل الاستعانة ودليل الاستعاذة كلام قليل، ثم إذا جاء كتاب التوحيد وإذا به وضعه في بابين أو ثلاثة في الدعاء والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وضع أبواباً كثيرة جمع فيها من الآيات، جمع فيها من السنة، وجمع فيها من كلام أهل العلم، هذا تدرج أليس كذلك؟ بلى.

الأمر الثامن : حاول قدر ما تستطيع ألا تطيل في حفظ المتن، ولا تستعجل في حفظه، عليك بالوسط ، المحفوظ بسرعة سيذهب بسرعة، ولا تطيل فتمل وترى غيرك انتهى وأنت لا زلت، ذكر عن عمر بن شبه كما ذكره الذهبي رحمه الله تعالى أنه كان يحفظ ستة عشر ألف أرجوزة في العلم، مع أنه متقدم، ما الحاجة، والكلام عندهم قليل. تجلس مع طالب العلم الذي يرى أنه متأهل ولا يحفظ إلا خمس أو ست متون نسأل الله السلامة والعفو والعافية، فعدم الإطالة في حفظ المتون جيد، لتنتقل إلى ما بعده. فمثلا لو أخذنا في علم الحديث: ابتدأت مثلا في المنظومة البيقونية أربعة وثلاثين بيتاً، سهلة لا أطيل فيها، تأخذ أسبوعين ثلاثة مع الشرح، كل يوم بيت ونصف أوبيتين، تكفيني وأنا أذهب للبيت أحلل البيت الواحد، أفكر فيه أتأمل فيه، أحضر للبيت القادم، يأتي العلم بتؤدة من غير تأخر شديد ممل، ومما يذكر أن أبا بكر بن عياش وهو مشهور بشعبة، تلميذ عاصم بن أبي النجود الراوي الآخر لعاصم، وللمعلومية والفائدة أن الأصح في اسمه والأشهر أنه أبو بكر هذا أشهر من اسمه شعبة، شعبة مختلف فيه وقد كان المتقدمون يسمونه أبا بكر أكثر مما يسمونه شعبة، أبو بكر بن عياش جاء إلى عاصم بن أبي النجود ليقرأ عليه فماذا قال له؟ قال يا إمام أريد أن أقرأ عليك، قال: تفضل، تقرأ علي كل يوم آية ﴿الرحمن﴾ ويمشي، قال: سمعا وطاعة، فبدأ يقرأ عليه كل يوم آية، قال: فخشيت أن يموت -رحمهم الله تعالى- قال: فخشيت أن يموت الشيخ، أتدرون كم آيات القرآن؟ ستة آلاف ومائتين على العد الكوفي، قال: فما زلت به حتى سمح لي بخمس آيات، خمس آيات يومياً. وأنا أذكر قبل فترة جاء شخص ليقرأ، فقال: أنا مشغول سأقرأ يومياً جزء، جزء كامل سيقرأه بجلسة ويمشي، الله المستعان عندنا خلل عظيم جداً، عندنا خلل في الطلب والله المستعان، المهم أن عدم التأخر يجعلك تتحمس، والعجلة تجعلك لا تفهم، فاجعل نفسك عواناً بين هذا وهذا.

الأمر التاسع : حز كثيراً من شروح المتن، احصل عليها قدر ما تستطيع، لو أردت الآن أن أحفظ مثلا زاد المستقنع في الفقه أبحث عن شروح هذا المتن، لماذا؟ لأن الشيخ لا يعطيك كل شيء، لأن الوقت لا يكفي أو المكان لا يناسب أو غير ذلك، فإذ ذهبت إلى البيت راجعت هذه الشروح، فوجدت مثلا شرح الشيخ ابن عثيمين، ثم وجدت أيضاً حاشية ابن قاسم، ثم رجعت إلى أصل الزاد وهو شرح الزاد الروض المربع، ثم قمت واشتريت أصل زاد المستقنع وهو المقنع ثم شروح المقنع، أثنين ثلاثة أربعة، المقنع المطبوع فيه الآن قرابة اثنا عشر شرحاً وحزتها، فإذا حضرت عند الشيخ واستمعت إلى الشرح وفهمت المقصود، وذهبت إلى البيت وبدأت تنقح وتحقق وتفهم وتضبط وتراجع ما الذي ما ذكره الشيخ، ما الذي زاد عليه تجد أنك أصبحت ملماً بالمتن، لا يشكل عليك أي سؤال.
كان السابقون لا يكثرون الكلام، بل يشرح مثلاً حديثاً أو حديثين من عمدة الأحكام أو ثلاثة أو أربعة فقط يفكك، هذا الحديث معناه كذا وكذا والحكم كذا وكذا وانتهى، ما يذكر المعاني اللغوية، والمباحث الأصولية، والمباحث الفقهية، والخلاف، عنده كم هائل من المعلومات في عقله، لكنه يرى أنك لست بحاجة إليها تجدها في الشروح، وإنما يذكر خلاصة في ذهنه.

لما تأخذ هذا العلم من الشيخ اذهب وراجع واكتب ونقح وابحث عن الشروح، ماذا قال الشارح الفلاني وماذا قال الشارح الفلاني، ستجد أنك ألفت كتاباً كاملاً في شرح هذا المتن، والحمد لله المتون التي نذكرها لا يخلو من أربع شروح خمس شروح موجودة في السوق، علماؤنا ما تركوا متناً إلا وقد شرحوه، مثلاً، العقيدة الواسطية كم لها من شرح موجود الآن ؟ إن قلت عشرين فأنا مقصر، كتاب التوحيد كم له من شرح؟ فالكتب في الشروح كثيرة جداً فلا تعتمد فقط على شرح الشيخ ولا تذهب إلى شروح أخرى، اذهب واقرأ وراجع ونقح، ستجد أنك احتويت علماً كبيراً، هذه بعض الوصايا المهمة في هذه الموضوع، ولكن كل ما سبق أحصره في شيء واحد وهو الاهتمام بالمتون، إياكم والمخذلين من حفظ المتون، والله ما جربوا، ثم والله ماجربوا، وقارن من مشى بهذه الطريقة، ومن مشى بطريقة أخرى، كيف يكون علمهم، ولهذا حفظ المتون لا يبرز له إلا أهل الصبر والجلد، لا تظنه سهلاً، لأنك ستجد أشياء كثيرة لا تستفيد منها في الواقع.


دورة علمية ألقاها فضيلة الشيخ :
سليمان بن خالد الحربي حفظه الله
قلة التركيز وسرعة النسيان

د.إسلام المازنى
</TD< tr>

السلام عليكم ورحمة الله
هنا سؤال وجوابه، وردا من شاب يريد الحفظ لكتاب الله تعالى، ومن فتاة كذلك.. ثم وردا عدة مرات ... فشعرت بأهمية الأمر أكثر، ورأيت بث الجواب عل الله تعالى ينفع به

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله
هل هناك اشياء تساعد على كثره الحفظ؟؟؟
لاني الحمد لله سوف انتهي من القرآن وبعض المتون العلميه فهل هناك شي يجعلني أحفظ واتقن سريع من وسائل او اعشاب ؟؟

السلام عليكم
خواتي هل هناك اطعمة خاصة تساعد على زيادة التركيز والاستيعاب للدروس
هل هناك فيتامينات تساعد على زيادة الفهم وتقوية الداكرة
ارجوكم افيدوننا

السلام عليكم
مشكلتي انني اعاني من عدم التركيز والاستيعاب القليل
هل هناك حل لمشكلة ضعف التركيز والاستيعاب البطئ
مشكلتي قد تبدو للبعض بسيطة .. ولكنها تؤرقني .. وخاصة في الحياة الدراسية ..
وهي قلة التركيز أو بالأصح ضعف التركيز ..
كنت في السابق قوي الملاحظة والتركيز .. ولكني اكتشفت أن تركيزي بدأ يضعف قبل 8 أشهر ..
أصبحت لا أفهم الجملة الانجليزية إلا بعد قرائتها عد مرات .. مع أني كنت أفهما بسرعة .. وهذا أثر علي في الإمتحانات
عندما أبحث عن شيء يكون أمامي .. ولكني لا أراه .. أو لا أنتبه له .. فيجده أحد إخواني في نفس المكان ..
عندما أريد التركيز في الإمتحان .. أو تذكر شي .. أحس بصداع شديد فوق العينين وأعلى الرأس وخلف الرأس ..
لا .. أدري ما السبب ؟!! ..أريد حلاً !! .. أفيدوني بارك الله فيكم .. ألاحظ أن وضعي الدراسي بدأ يسوء من هذه المشكلة ..
 



الجواب

بارك الله فيك
نعم ما نويت وعلى الله التكلان
أسأل الله أن يعينك على الحفظ وهو خير ناصر
وأسأل الله أن يهبك مع الحفظ فهما، وأن يعينك على حمل تلك الرسالة وتبليغ الأمانة، وعلى الزود عن السنة وحفظ الذمار
هنا ما سطرته يوما ما ، ثم مرحبا بأي سؤال
التركيز هو اقصاء المؤثرات الغريبة عن الموضوع سواء إقصاء حقيقيا أو بالتجاهل
حقيقى : بمعنى إيقاف التشويش من المؤثرات الأخرى , سواء مؤثرات عقلية ( خواطر, أفكار شعور بالنوم , أى استهلاك للعقل فى اتجاهين متضاربين أو أكثر إلخ ) أو مؤثرات حسية ( صوت ,ضوء "زغللة " , حركة ...إلخ (

إقصاء بالتجاهل :
و هى موهبة أعطاها الله تعالى لبعض الناس , فيمكنهم إلغاء المؤثرات غير المرغوبة تلقائيا و أتوماتيكيا , و قصر نشاط المخ الظاهر المحسوس الواعى على شئ واحد , رغم تعدد المثيرات حولهم و داخل مخهم , فتجدهم لا يلتفتون لها و حتى لا يسمعونها , و يكملون فى نفس الهدف ( القراءة مثلا أو الكتابة ) و قد يظنهم البعض سارحين , و يسميهم البعض حديدى الدماغ .

فأى شخص ليس لديه القدرة على تجاهل مؤثر ما , لابد له أن يقصيه , بمعنى لو لا تستطيع التركيز أثناء الضوضاء فلابد أن توقف الضوضاء حولك , أو أن تسد أذنيك بشئ .
موضوع قلة التركيز من المواضيع المتشابكة بين عدة تخصصات طبية , و حتى تخصصات غير طبية
بمعنى أنه قد يحدث لو هناك أى مرض عضوى , كما قد يحدث لو هناك مشكلة نفسية , و بالمثل لو هناك عوامل خارجية فى البيئة , حتى لو كان الشخص سليما معافى
فيجب أن تخضع نفسك لجلسة مصارحة , للتأكد من أنه لا شئ يشوش تفكيرك و يضايقك فى خلفيات حياتك و نفسيتك , مما قد يكون هو سبب قلة تركيزك مثل :

شئ من الأمل البعيد المنال
الألم الزائد
أو الإحباط أو ما شابه

و تراجع نفسك للتأكد من أنه لا جديد فى البيئة المحيطة بك , وأن عوامل التركيز الخارجية متوفرة مثل :
وقت المطالعة (أفضله الفجر مع ارتفاع الأوزون فى الهواء و هو من إعجاز السنة النبوية صلى الله على صاحبها و سلم)
و طريقة المطالعة ( الجلسة و المدة و ما شابه(أى عامل مادى يؤثر على التركيز مثل الزحام و الضوضاء و نوعية الإضاءة و جو الغرفة
نوعية الطعام و الشراب و أى أدوية أو مكيفات أو ما شابه
كثرة الضغوط الخارجية و الإرتباطات

فلو تبين لا قدر الله أن هناك تغير فيجب أن تحلل سببه و تبدأ بعون الله فى برنامج العلاج
ثم لو تبين أن كل العوامل ثابتة على حالها

يتبقى زيارة لطبيبك
حيث تقوم مبدئيا بما يلى :
تحليل صورة دم , لتلافى احتمال أى نقص فى الهيموجلوبين المؤدى لنقص الأكسجين و قلة التركيز
و قياس الضغط , لتلافى احتمالات عدم انتظام الدورة الدموية فى الرأس بسبب ارتفاع أو انخفاض نتيجة زيادة دهون أو أملاح مثلا
و كشف النظر بالطبع لتلافى وجود زيادة فى الاستيجماتيزم لم تنتبه لها , و هى تسبب تلك المشكلة حتى لو لم تشعر بتشويش الرؤية .
و هى أهم أمور يجب التعاطى معها نظرا لوجود الصداع مع قلة التركيز
و لا أنصحك بأى فيتامينات قبل التحرى عن سبب المشكلة
و إن شاء الله تستعيد كل طاقتك العقلية
و نسأل الله لك العافية

التركيز محصلة الحالة الداخلية و الخارجية
أما العوامل التى لا يد لنا فيها , فكيفى فيها الرقية من الحسد و السحر , و مراعاة التعلم الشرعى لتجنب المزالق و المهالك التى لا نعرفها بسبب ضعف الدراية بتفسير القرءان و معالم السنة , ثم التبتل لله تعالى طالبين العلم و الفهم و النفع بما يفتح علينا به .. و ألا يكون فتنة لنا فيطغينا أو ينسينا أو يلهينا عما هو أهم أو غير ذلك و ألا يكون حجة علينا ...
و ما نتعامل معه بعدها هو الإنسان و البيئة
يعنى الظروف النفسية المستقرة , حيث لا قلق و لا توتر , و لا حزن زائد , و حب الشئ المدروس أو إقناع النفس بالتصبر لإنهائه , و كلما زاد الحافز كلما كان أفضل ..

و الحالة العقلية المستقرة , حيث لا تشتت بين عدة أمور أو خيارات
و لا نقص فى الفيتامينات و المعادن , فكلها تلزم الذاكرة و التفكير
و لا مشاكل فى قوة البصر و السمع , بالكشف الدورى عند المختص , و عدم الإكتفاء بتقييم النفس
و لا مشكلات عضوية كبيرة فى الجسم , مثل الأمراض المزمنة غير المستقرة و الحميات , ومثل الألم المشتت للتنبيه .
و أكثرتلك الأمراض المؤثرة شيوعا هو الأنيميا , فالكثيرون لا يتنبهون لها , و يجب الكشف على مستوى الهيموجلوبين فى الدم للتحقق منها

و الوضع العارض لجلسة الدراسة , مثل حالة البطن و القولون و المثانة و شتى الأحشاء
فلا ينبغى ملئ البطن و لا الجوع الشديد و لا ينبغى حقن البول .
و الهدوء الخارجى بعيدا عن الضوضاء بقدر المستطاع ,
و الإضاءة البيضاء التى تأتى بشكل غير مباشر , لا يسطع فى المواجهة للعين و لا للشئ المنظور له .
و درجة حرارة الغرفة

تلك العوامل تؤثر لأن المخ له كفاءة حيوية معينة , تكون أفضل ما يمكن عند عدم تداخل الإشارات العصبية , و عدم عمل عدة مراكز مع بعضها , و عدم انخفاض حرارة الدم المتحرك و غيرها , من هنا أيضا
تبين أن الوقوف و الجلوس أو الإتكاء أفضل بلا شك من المشى , و ليس معناه أن المشى لا يكون معه تركيز - خاصة ما دمت تعودت - لكنها معلومة لتفيد منها , و لكى تجربها متى استطعت .
ووجود كمية النوم الكافية قبل الدراسة هام جدا ,لأن المنبهات مثل القهوة و الشاى تفيد , و لكنها لا تعوض أبدا عن المواد الكيميائية التى يفقدها المخ و تتجدد أثناء النوم .
و التغذية المفيدة للتركيز هى التغذية المتوازنة , فلا يوجد طعام يجب المواظبة عليه وحده , و لكن كقواعد عامة :
يمكن الإكثار من الكوسة لفائدتها للذاكرة , و الإهتمام بالفواكه و الخضروات الطازجة و البلح خاصة , و شرب الحليب و الإكثار من زيت الزيتون والزبيب , و البعد عن الطعام المحفوظ و عن الدهون و التوابل وعن الوجبات السريعة الجاهزة و الخلطات .

و ممارسة الرياضة بانتظام هام جدا لتأمين وصول الأكسجين الكافى للمخ بفضل الله تعالى
و فى كثير من الحالات يكون عمل الحجامة على الرأس مفيدا جدا لزيادة التركيز
و هناك تمرينات لتدريب العقل و تسريع القراءة و تنمية الإستيعاب , عن طرق القراءة بشكل معين و اختبار النفس دوريا , و لكن فائدتها وهمية , لأن العقل لا يوهب , و إنما يمرس لو كان مستعدا داخليا و خارجيا و إياك و ما يسمى بالبرمجة العصبية و ما شابه , فتلك أمور مثل اللوثة المتسعة المهلكة كمن يتناول الكوكايين يتنبه و بعد فترة يدفع الثمن , و تحتاج تنقية شرعية و طبية كبيرة و متريثة , و لم تفتن الغرب لأنه متزن عقليا بنسبة ما , و إنما فتنت الشرق لأنه أجوف معرض عن كنز فى يده , و متلف لاهث لأى بريق , و تلك طبيعة الأمة المهزومة ..

وقد نبه السلف لأهمية التقوى في كسب العلم ، ولأهمية حب الشيء في التصاقه بالعقل فيجب أن تعالج نفسك وتبصرها بأهمية الهدف، ولأهمية سعة المعرفة- العلم يفتح الباب للمزيد من العلم والفهم - فهي تعطيك سعة في الفهم وقوة في الاستيعاب

الثعالبي
وإذا قريت الأذن شهد كلامه* قلت اسمعي وتمتعي وارعي وعي

فحب الشيء يجعلك حريصا عليه، وتنبيهك لنفسك يجعلك يقظا غير لاه ولا عابث، ولا مار مرور التائهين

يا مسلمين بحق ربكم اسمعوا *قولي وعوه وعي ذي عرفان
ابن القيم رحمه الله تعالى

وهو ما يشير لأن العالم بالأمور يفهم أكثر، من هنا كانت القراءة العميقة الموسعة أقرب للفهم من قراة المختصرات والخلاصات

فلو كنت تفهم شيئا سهل عليك فهم ما بني عليه، فحين تدخل علما جديدا لا تقرأ فيه خلاصة للفاهمين، بل مقدمات له وما حف به ، ثم اعرف أهميته ، وتوسع وافهم كل كلمة تجد ما بني عليها سهلا

فالطالب الذي يدرس من مراجع أفضل من الطالب الذي يدرس من مذكرات ملخصة

و الأعشاب التى تساعد على التركيز
أفضلها الشعير : سواء الأهتمام بخبز دقيق الشعير ,أو شرب كوب مغلى الشعير الطازج فى الماء و يحلى طبعا بعسل النحل النقى الغنى بالمواد المفيدة للمخ
ثم الكرفس طازجا
و الهندباء مخلوطة بالعسل
و مشروب القرفة
ونقيع لبان الدكر
و هناك من الزيوت العلاجية زيت جنين القمح ,نصف ملعقة صغيرة يوميا .


وفقك الله لما فيه رضاه , و لا تتحرج من أى سؤال
doctor_thinker@hotmail.com
 
الحفظ و الفهم

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق
</TD< tr>

مسألة الحفظ و الفهم من المسائل المهمة في سلك الطلب ..
و لا بد للطالب من مراعاتهما رعاية تحفظ مقامهما ، و شأنهما
و ذلك من خلال أمور :
الأول : الوقت المناسب لهما :
الحفظ أغلب ما يكون الاشتغال به في زمن الصبا ( و أعني : الإكثار من المحفوظ ) .
و الفهم أغلب وقته هو حال الكبر لتفتح الذهن .
و لا يعني ذلك أن الفهم يُغفل في حال الصغر .
و لا أن الحفظ يهمل في سن الكبر .
لا ، و إنما المراد هو إعمال كل سن بما يكون الإقبال عليه أكثر كما مر تقريره .
الثاني : ما يُعمل في كلا منهما .
أغلب ما يكون الاشتغال بالمحفوظ في أمور :
أحدها : النصوص الشرعية التعبدية .
ثانيها : ما يكثر الاستدلال به و الاحتجاج من العلم .
ثالثها : التعاريف و الضوابط .
و الجامع لهذين هو أغلب علم الغاية .
و أغلب ما يكون الفهم في أمورٍ تحتاج إلى تبصر و تعقل فهذه لا تحتاج إلى حفظ أكثر من احتياجها إلى الفهم و التدبر .
الثالث : الفهم هو تفتيق للذهن و إعمال لوظيفته فلا يجوز للطال أن يغفله أو يهمله .
و هو صعب في أوله لكنه مع الإدمان و الدربة يسهل .
و الحفظ هو تكرار لمحفوظ فلا ينفع صاحبه إلا في جزيئة صغيرة .
هذا إذا لم يكن ثمة فهم يصاحبه .
فإن صاحبه فهم فهو من أحسن ما يكون .
هذه خاطرة سنحت في البال .
أريد أن أحفظ القرآن خلال سنة

 جمّاز بن عبدالرحمن الجمّاز
</TD< tr>

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماهو البرنامج الأفضل لحفظ القران خلال سنة ؟ وجزاكم الله خيرا


الإجابة
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته

إن هناك طرقاً متنوعة تعين الإنسان على حفظ القرآن الكريم، ولكن عليك بالأساس:

أولاً: اعلم أن حفظ كتاب الله _تعالى_ طريق فيه نوع من الطول والمشقة، ويحتاج ممن يريد سلوكه إلى همّة وعزيمة، وجد وتحمّل، يحتاج إلى أن تخصِّص له جزءاً من وقتك لا تصرفه لغيره، وأن تعيد ترتيب أولوياتك، ليكون مشروع حفظ القرآن الكريم في مقدمتها، وأن تعطيه بعد ذلك المدة الزمنية الكافية ولو أكثر من سنة.

ثانياً: عليك العناية بالطريقة المناسبة، والأسلوب الأمثل، عليك الاستنارة بتجارب الآخرين، عليك بالاستشارة لكبار الحفاظ ممن تعرف.

وألفت نظرك أخي الكريم إلى أن الحفظ الأمثل، هو الغاية، ولو تم خلال سنتين فهو خير لك من حفظه في سنة واحدة، وقد أخللت بكثير من الغايات والأهداف.

ومن العوامل المساعدة على حفظ كتاب الله _تعالى_ ما يلي:
1- اجعل نيتك صادقة، فالحفظ عبادة، ومتى أخلصت فيه، كما لو أردتَ بحفظك التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح، قُبِل وتمت بركته، وإن أردتَ بحفظك الشهادة أو الوظيفة أو بليغ العبارة، ضاع منك وخسرت، وربما لا تدرك شيئاً مما أردت.
2- ادع الله دائماً، إذ هو سلوتك، ويحصل به كل خير لك، وإذا ألححت الدعاء بتيسير الحفظ، وجدتَ ثمرته في بركة الوقت وتسهيل الحفظ.
3- احذر من الوقوع في المعاصي، قال وكيع بن الجراج _رحمه الله_: "ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ".
4- اقرأ في سير السلف، كيف كان حالهم مع القرآن، وكيف كانت هممهم العالية في الحفظ والفهم والعمل.
5- احرص على إثارة الدافع الذاتي لديك، تعرّف على منزلة القرآن ، وفضل حفظه، وما أعده الله _جل وعلا_ لك ولأهلك من الرفعة والسؤدد والسعادة في الدنيا، والأجر والكرامة في الآخرة.
6- اختر المكان المناسب، كالمساجد والغُرَف، وكل مكان بعيد عن الملهيات، واترك كل ما يشغل قلبك.
7- استعن بزميل لك، تُراجع عليه ويُراجع عليك، ويشجع كل منكما الآخر، واحذر أن تكون أحاديثكما أطول من مراجعتكما.
8- يجب أن تحفظ على يد قارئ متقن، فإن لم يتيسّر، فاطلب أجود الناس قراءة وحفظاً، وإذا أتممتَ الحفظ، فاعرضه على قارئ متقن يحمل إجازة في رواية أو قراءة أو القراءات حتى يجيزك للإقراء، ولو في رواية.
9- اجعل طبعة المصحف التي تحفظ عليها واحدة، ولا تنوّع في الطبعات؛ ليزداد حفظك رسوخاً في ذهنك.
10- رتِّل القرآن وترسَّل، ولتكن قراءتك على تمهّل، فإنه أعون على فهمه وحفظه.
11- افهم الآيات التي ترغب حفظها، حتى يكون الجهد الذي ستبذله قليلاً، ويبقى في الذهن طويلاً.
12- استذكر وكرر دائماً، ماشياً وراكباً وقائماً وقاعداً ومضطجعاً أو في الصلاة أو ضحى الجمعة، فالحفظ المفيد يحصل بالتكرار، ويساعدك على جودة التذكر في المستقبل.
13- عوِّد نفسك التدرج في الحفظ، فلا تحفظ فوق طاقتك فتترك الحفظ، واعلم أن القرآن الكريم نزل مُفرّقاً ليسهل فهمه وحفظه.
14- خصِّص وقتاً يناسبك للحفظ كل يوم، ولا تتركه أبداً، كالساعة أو الساعتين مثلاً، واحفظ فيها ما شئت، ربع حزب أو أقل أو أكثر.
15- خصِّص وقتاً للمراجعة، ولا تجعلها في فراغك أبداً، ولتكن يوماً في الأسبوع، وإذا لاحظت أن حفظك مهزوزاً ضعيفاً فخصِّص يومين كل أسبوع، ثم واصل الحفظ.
16- اعلم أنه لا بد مع الحفظ مراجعة، فالحفظ والمراجعة أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولو أنك حفظت بدون مراجعة وأتممت حفظ القرآن في سنة أو أقل، فستعلم بعد حين أنك لم تحفظ القرآن، وعليك وعلى أمك السلام.
17- إذا أتممت حفظ القرآن فعلك بمراجعته دائماً، ولو كل شهرين مرة.
18- راجع القرآن الكريم، وإذا أردت أن تعرف قوة حفظك فابدأ بالطريقة التالية:
19- طريقة (فمي مشوق)، وبها تستطيع مراجعة القرآن في سبع ليال، وهي السنّة: الفاء للفاتحة، الميم للمائدة، الياء ليونس، الميم لمريم، الشين للشعراء، الواو للصافات، القاف لقاف، وهي كما يلي:
- اليوم الأول: من أول الفاتحة إلى أول المائدة.
- اليوم الثاني: من أول المائدة إلى أول يونس.
- اليوم الثالث: من أول يونس إلى أول مريم.
- اليوم الرابع: من أول مريم إلى أول الشعراء.
- اليوم الخامس: من أول الشعراء إلى أول الصافات.
- اليوم السادس: من أول الصافات إلى أول ق.
- اليوم السابع: من أول ق إلى آخر المصحف.
20- فإن لم تستطع، فراجع كل يوم جزءاً، وبها تستطيع مراجعته كل شهر مرة.
21- فإن لم تستطع، فراجع كل يوم نصف جزء، وبها تستطيع مراجعته كل شهرين مرة.
22- فإن لم تستطعن فعليك بحفظ القرآن مرة أخرى.

وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر موقع المسلم

كتاب حفظ القرآن الكريم للشيخ محمد الدويش




بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب حفظ القرآن الكريم  للشيخ محمد الدويش

المقدمة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد -

فقد كانت البشرية تعيش في تخبط وتيه وتُوزِّع ولاءاتها بين طواغيت وأصنام، وبين كهان ومشعوذين، قد أسلمت يدها كالأعمى لهؤلاء يقودونها أينما أرادوا وكيفما شاءوا.

فجاء الله تبارك وتعالى بهذا الكتاب هادياً ومبشراً ونذيراً للناس، ((كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. الله الذي له مافي السموات ومافي الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد)) (إبراهيم1-2).

جاء هذا الكتاب المبين فنقل الله به الناس من الجاهلية والشرك إلى الهداية والتوحيد، من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وتحولت تلك الأمة التي تحمله من أمة لا تُذْكر إلا مثالاً على الهمجية والتخلف، إلى أمة تأخذ بزمام البشرية أجمع لتقودها لسعادة الدارين.

وما هي إلا سنوات وانطلق حملة هذا الكتاب يجوبون الديار، ويقطعون الفيافي حاملين رسالة التوحيد ومشعل الهداية للبشرية أجمع، وهاهي قبورهم المتناثرة هنا وهناك تبقى شاهداً على هذه الحقيقة.





ودار الزمان دورته، وأصبح الأمر كما قال الشاعر-

ومافتيء الزمان يدور حتــى     مضى بالمجد قوم آخرونــا
وأصبح لايرى في الركب قومي    وقد عاشوا أئمته سنينــا
وآلمني وآلم كل حـــــر     سؤال الدهر أين المسلمونا

واليوم وقد بدأت بشائر النور تلوح في الأفق، يشعر جيل الصحوة وحاملو الراية أن عنوان فلاحهم، وأمارة استقامة منهجهم، ودليل سيرهم على خطا الرعيل الأول في الإقبال على كتاب الله.

فبدأ الشباب يتوافدون على حفظ القرآن والإقبال على تلاوته وتدبره، وهي خطوة رائدة بإذن الله تحتاج إلى من يدفعها لتبذل المزيد، ولمن يقول لأولئك الذين لما يلحقوا بالقافلة بادروا ففي الأمر متسع، وهلموا قبل أن يفوت الأوان.

وتأتي هذه الرسالة -وهي الرابعة ضمن رسائل للشباب- علها أن تساهم في دفع المسيرة، وتوجيه الشباب نحو مزيد من الإقبال على كتاب الله وتعاهده، وأن تكون معيناً ومثبتاً لأولئك الذين سلكوا هذا الطريق.

وفيها تحدثت عن فوائد حفظ القرآن الكريم، وبعض النماذج من أخبار الحفاظ، وختمتها بوصايا عاجلة لحملة كتاب الله، ولم أتحدث فيها عن طرق الحفظ ووسائله، فهذا الجانب قد تحدث عنه كثير من الكتَّاب.

والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن يبارك في هذا الجهد إنه سميع مجيب،،،







لماذا نحفظ القرآن؟


لماذا نحفظ القرآن؟ سؤال لا يطرحه مسلم جاد إلا من باب الرغبة في التعرف على فضائل هذا العمل وآثاره ليزداد رغبة وحماسة؛ ذلك أن قضية فضيلة حفظ القرآن مقررة لدى كل مسلم بداهة، بغض النظر عن موقعه في سلم الثقافة، وعن مدى تدينه واستقامته.

وهاهي محاولة لحشد بعض الفضائل والمزايا لحفظ القرآن الكريم، سواء ما دلت عليها النصوص الشرعية صراحة، أو كان ذلك مما يفهم من عموم النصوص وقواعد الشرع.

1 - حفظ القرآن هو الأصل في تلقيه


لقد وصف الله تبارك وتعالى هذا القرآن بقوله ((بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)) (العنكبوت49) وقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث القدسي-«إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرأه نائماً ويقظان»(رواه مسلم).

قال النووي«فمعناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الزمان».

ومن لطائف الاستدلال في ذلك ما استدل به أبو الفضل الرازي فقال«ومنها أن الله عز وجل لم ينزله جملة كغيره من الكتب، بل نجوماً متفرقة مرتلة ما بين الآية والآيتين والآيات والسورة والقصة، في مدة زادت على عشرين سنة، إلا ليتلقوه حفظاً، ويستوي في تلقفه في هذه الصورة الكليل والفطن، والبليد والذكي، والفارغ والمشغول، والأمي وغير الأمي، فيكون لمن بعدهم فيهم أسوة في نقل كتاب الله حفظاً ولفظاً قرناً بعد قرن وخلفاً بعد سلف».

2 - القرآن مصدر التلقي عند الأمة


القرآن الكريم دستور الأمة، فإليه الحكم والتحاكم، ومنه الاستمداد والتشريع، وما من صغيرة أو كبيرة إلا ونبأها في هذا الكتاب العزيز ((وما كان ربك نسياً))(مريم64)، وهو مع ذلك الضياء الذي تحمله الأمة لسائر الناس لتؤدي رسالتها، خير أمة أخرجت للناس، شهيدة عليهم في الدنيا والآخرة، فلا يصير المرء مسلماً إلا بالإيقان أنه من عند الله، والخضوع والاستسلام له، فإذا كان هذا شأن القرآن في حياة الأمة، فما بالك بشأن من يحفظه ويعنى به؟

3 - حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة

صرح بعض أهل العلم أن حفظ القرآن الكريم واجب على الأمة فإن قام بذلك قوم وإلا سقط الإثم عن الباقين.

قال بدر الدين الزركشي«قال أصحابنا تعلم القرآن فرض كفاية، وكذلك حفظه واجب على الأمة، صرح به الجرجاني في الشافي والعبادي وغيرهما».

4 - التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم

لقد جعل الله تبارك وتعالى للأمة في محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً))(الأحزاب21).

ويتعبد المسلم لربه تبارك وتعالى في البحث والتعرف على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان يفعل في أموره وأحواله، ومن ثم التأسي بها واتباعها.

وحفظ كتاب الله تبارك وتعالى فيه من التأسي به صلى الله عليه وسلم ؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم يحفظه ويديم تلاوته ومعارضة جبريل به، وقد نبه على هذا المعنى أبو الفضل الرازي المقريء فقال«فمنها ما لزم الأمة من الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جلي أمر الشرع وخفيه، قولاً وفعلاً، على الوجوب أو الندب إلى أن يقوم دليل على أنه كان -عليه السلام- مخصوصاً به من قوله أو فعله، فلما وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حافظاً بجميع ما نزل عليه من القرآن، ومأموراً بقراءته، حتى أنه -عليه السلام- من شدة تمسكه بحفظه كان يعرض على جبريل -عليهما السلام- في كل سنة مرة واحدة، وفي السنة التي قبض فيها عرض عليه -عليهما السلام- مرتين، وكان يعرض على أصحابه ويعرضون عليه، ويعجل به ليستكثر منه، لئلا ينسى ولحرصه عليه، فنهي عنه بقوله تعالى ((ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه)) (طه114) وبقوله عز وجل ((لا تحرك به لسانك لتعجل به)) (القيامة16) وأمر بالترتيل، وأمن مما كان يصده عن ذلك وهو خشية النسيان والتفلت منه بقوله تعالى ((سنقرئك فلا تنسى))(الأعلى6) علمنا أن الأمة لزم حفظه مع الإمكان و

ثم قال بعد أن ذكر وجوهاً أخرى «غير أني أتقدم عليه بسند ما تقدم من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعرضه على غيره، وعرض الصحابة رضي الله عنهم بعضهم على بعض، ففي جميع ذلك مستدل أنه من الله سبحانه وتعالى دعا به إلى حفظه، وعطف على العمل بما فيه، وأن لا يسع أحد أن يتخلف عن حفظه أو تحفظه، وتلاوته على الدوام إلا عن عذر ظاهر».

مجالس حفظ القرآن


لئن كان الناس يفتخرون بمجالس تصلهم بقوم ذوي شأن لدى الناس، أو تحقق لهم مطالب يسعون إليها، فأولئك الذين يجلسون في مجالس حفظ كتاب الله تبارك وتعالى أولى بذلك وأسعد، ذلك أنهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم «...وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه »(رواه مسلم).

فهي فضائل أربع يدركها هؤلاء-


1 - نزول السكينة من الله تبارك وتعالى.

2 - غشيان الرحمة، ورحمة الله قريب من المحسنين ومن عباده الصالحين، وما أفقر العبد لرحمة الله، أليس في دعائه كثيراً ما يقول يا أرحم الراحمين؟ فهاهو باب الرحمة مفتوح فبادر بولوجه علَّ الله أن يرحمك.

3 - أن تحفهم الملائكة وهم عباد الله المكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

4 - أن يذكرهم الله فيمن عنده، فأين هذا مما يسعى إليه بعض الناس أن يذكره أحد الأكابر أو يثني عليه، فأي فضيلة للعبد أسمى وأعلى من أن يذكره الله تبارك وتعالى فيمن عنده.

وثمة فضائل ومناقب أخرى لهذه المجالس جاءت في سائر النصوص-


5 - فمنها أن هذه المجالس غالباً ما تكون في بيوت الله تبارك وتعالى، وقد أثنى الله على من يعمرها بالعبادة ((في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تهليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب))(النور36-38).

وأخبر صلى الله عليه وسلم عن شأن المساجد فقال« أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»(رواه مسلم).

6 - كثيراً ما يجلس القارئ في هذه المجالس بعد أداء الفريضة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث عليه، وأخبر أن صاحبه تصلي عليه الملائكة «فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه»(رواه البخاري).

7 - وهي مجالس روادها من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، الذين رفع الله شأنهم، وأعلى ذكرهم في الدنيا والآخرة.

8 - ورد فضل الاجتماع على الذكر والعلم، ومن ذلك الحديث الطويل في شأن الملائكة الذين يتتبعون مجالس الذكر.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم« إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادواهلموا إلى حاجتكم، قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي؟ قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال فيقول هل رأوني؟ قال فيقولون لا، والله ما رأوك، قال فيقول وكيف لو رأوني؟ قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال يقول فما يسألوني؟ قال يسألونك الجنة، قال يقول وهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها، قال يقولفكيف لو أنهم رأوها، قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال فمم يتعوذون؟ قال يقولون من النار، قال يقولوهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها، قال يقول فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، قال فيقولفأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم ا

ولاشك أن أفضل الذكر والعلم تلاوة كتاب الله وحفظه والوقوف عند حدوده ومعانيه.

وتأمل كيف غفر الله لهذا الذي لم يكن منهم، إنما جاء لحاجة فجلس، لتجد فيه إجابة على سؤال كثير ممن يشتكي من ضعف النية، أو التقصير، أو أنه يفعل بعض الذنوب في الخلوات، فيدعوه ذلك للتفكير في مفارقة الجلساء الصالحين الأخيار.

إلى المحاضن التربوية


وبعد هذا السرد لهذه الفوائد التي تتأتى لحافظ القرآن الكريم والمشتغل به نتساءل أين الشباب عن العناية بهذا القرآن، وأين جيل الصحوة عن حفظه وتدارسه؟

وما حجم حفظ القرآن ضمن برامجنا التربوية؟ أليس أولى من كثير مما ينشغل به الشباب اليوم؟ ولماذا لا يصبح حفظ القرآن والعناية بتعلمه أساس برامجنا ومنطلقها، أما حين يكون جزءاً منها فأحسب أننا لم نقدره حق قدره.
ومع عتبنا على إخواننا الذين يقصرون في هذا الأمر ولا يولونه حق رعايته فإننا نشد بأيدي أولئك الذين جعلوا مبدأ التربية والتوجيه حفظ القرآن الكريم، ونرى أنها بداية بإذن الله تؤذن بالسير على منهج سلف الأمة، إذ كان هذا شأنهم وديدنهم.
وعلى المدى الأوسع حين ننقل الطرف إلى مقاعد الدراسة فإننا نشارك الأديب مصطفى صادق الرافعي شكواه وهمه إذ يقول «نحن نأسف أشد الأسف وأبلغه بل أحراه أن يكون هماً يعتلج في الصدر ويستوقد في الضلوع إذ نرى نشء هذه الأيام قد انصرفوا عن جمع القرآن واستيعابه وأحكامه قراءةً وتجويداً، فلا يحفظون منه إن حفظوا إلا أجزاء قليلة على أنهم ينسونها بعد ذلك، ثم يشب أحدهم كما يشب قرن الماعز نبت على سواء، ولا يثبت على التواء، ويخرج وقد عق لغته وأنكر قومه، وانسلخ من جلدته واستهان بدينه وخرج من آدابه، ولا يستحي من ذلك أن يقول هاأنذا فاعرفوني».

وإنه لمما يبعث على الأسى ويحز في قلب كل مسلم غيور أن نرى فئاماً من خريجي الجامعات، بل وربما حملة الشهادات العليا في العالم الإسلامي اليوم لا يجيدون تلاوة كتاب الله، فضلاً عن حفظ شيء منه، وكم نسبة الذين يتجاوز حفظهم الجزء الأخير من القرآن الكريم في خريجي الجامعات في العالم الإسلامي اليوم؟

أليس من الجدير بالعناية أن يتنادى المربون وأصحاب الشأن في الأمة الإسلامية اليوم إلى كلمة سواء تعيد الاعتبار لكتاب الله عز وجل في برامج التعليم.

فهلا كانت هناك خطوةٌ لتقرير قدر من القرآن على الطلاب والطالبات، وهل كل ما يدرسه أولئك أهم وأحوج من القرآن الكريم؟

ولقد أثبتت الدراسات العلمية المعاصرة أن حفظ القرآن في المراحل الأولية من التعليم له أثره على ملكات ومهارات مهمة يحتاج إليها التلميذ.

ففي دراسة أجراها الدكتور سعد المغامس أظهرت نتائج الدراسة أن تلاوة القرآن الكريم وحفظه ودراسته أسهمت في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي مما مكن التلاميذ في مدارس تحفيظ القرآن الكريم من الحصول على درجات أعلى من متوسط أقرانهم في مدارس التعليم العام، حيث أظهرت الدراسة أنه توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات تلاميذ الصف السادس من مدارس تحفيظ القرآن، ومتوسط درجات تلاميذ مدارس التعليم العام لصالح تلاميذ مدارس تحفيظ القرآن، وذلك من خلال اختبارات القراءة والكتابة التي أعدها الباحث، وكذلك من واقع درجات التلاميذ في سجلات المدارس التي اعتمد عليها في نجاحهم من الصف الخامس إلى الصف السادس».

وفي دراسة أخرى أجرتها د. هاتم ياركندي أظهرت نتائج الدراسة« وجود فروق دالة إحصائياً بين مجموعة طالبات تحفيظ القرآن الكريم، وطالبات الصف الرابع في المدارس العادية في مهارتي القراءة والإملاء لصالح طالبات تحفيظ القرآن الكريم».

والمربون اليوم إذ يدعون إلى إعادة الاعتبار لمادة القرآن الكريم فليس ذلك لأنه يزيد من مهارات معينة للتلاميذ، بل لأنه دستور الأمة وأولى ما تعنى بتعلمه وتعليمه.

الحـفظ بين العزيمة وهم الطريقة

يحرص كثير من الشباب حين يدرك فضل حفظ القرآن على تحقيق هذا الأمر، بل إن المسلم يحمل هذا الشعور ابتداءً دون أن يحدَّث بفضل حفظ القرآن، وما من مسلم أياً كان إلا ويتمنى أن يكون قد حفظ القرآن، بغض النظر عن جدية هذه الأمنية وتفاوتها.

حينها يتساءل الشاب كثيراً ما الطريقة المثلى لحفظ كتاب الله؟ كيف أحفظ القرآن؟ أريد الحفظ فما السبيل؟... وهي تساؤلات جادة يبحث فيها صاحبها عن إجابة تعينه على بلوغ هذا الهدف وتحقيقه، ويشعر أن إجابة هذا السؤال تحل له اللغز الذي حيره كيف يحفظ القرآن، فقد سعى وحاول ولكن..؟ ومن ثم يدعوه ذلك إلى التفتيش والسؤال عن طرق الحفظ معتقداً أنه سيجد الإجابة الشافية، وسيجد الحل لهذا اللغز المحير.

إنه ومع التسليم بأن هناك ضوابط مهمة تعين الحافظ على سلوك هذا الطريق، وأن الجهل بها قد يضيف عليه أعباءً من الوقت والجهد، وقد يتسبب ذلك في ضياع جزءٍ من وقته سدى، إلا أن العامل الأساس والأهم ليس هو هذا، وستبقى مسؤولية الجهل والإخلال بها محصورة في دائرة التأخر أو ضعف الحفظ، أما أن تكون هي وحدها التي تملك الحل السحري فهذا أمر لا يمكن.
أرأيت رجلاً يقف أسفل جبل شاهق ويراد منه أن يصعده راجلاً فيتساءل عن الطرق الموصلة إلى القمة، فيُعطى خارطة دقيقة أتراه يستطيع ذلك دون أن يكون لديه همة عالية وعزيمة جادة تدفعه لتحمل المصاعب؟

وحين تقدم قائمة محددة بتكاليف إقامة مشروع اقتصادي وخطوات ذلك، فلن تفيد هذه القائمة من لا يملك القدرة أو الاستعداد للتفرغ لهذا المشروع والقيام به.

كذلك حفظ كتاب الله تبارك وتعالى طريق فيه نوع من الطول والمشقة، ويحتاج ممن يريد سلوكه إلى همة وعزيمة، وجد وتحمل، يحتاج إلى أن يخصص له جزءاً من وقته لا يصرفه لغيره، وأن يعيد ترتيب أولوياته ليكون هذا المشروع في مقدمتها، وأن يعطيه بعد ذلك الفترة الزمنية الكافية.

وهذا لا يعني أن نهمل العناية بالطريقة المناسبة والأسلوب الأمثل، والاستنارة بتجارب الآخرين، لكن ذلك كله إنما يأتي بعد أن يملك المرء النية الصادقة، والعزيمة الجادة، والهمة العالية ويبدأ الخطوات العملية.

من سير الحفاظ وأخبارهم


يدرك المسلم بفطرته فضل حفظ القرآن وعلو منزلة حامله، وحشد النصوص والفضائل مما يرسخ هذا المعنى ويزيده.

وحين يضاف لذلك النماذج الواقعية العملية تزيد من يقين المرء بقدرته على تحويل هذه المعاني إلى واقع ملموس، وليس أدل على ذلك من عناية القرآن الكريم والسنة النبوية بإيراد القصص والنماذج للاعتبار والاتعاظ والتأسي.

وهذه طائفة يسيرة من سير الحفاظ وأخبارهم علها أن تكون منارة ومثلا يحتذى للجيل.



من أخبار الشباب والغلمان

كان عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- وهو من صغار الصحابة حريصاً على تلقي القرآن، فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه أجمع، وأهَّله ذلك لإمامتهم، ولنستمع لذلك من روايته -رضي الله عنه- إذ يقول«كنا على حاضر فكان الركبان -وقال إسماعيل مرةالناس- يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأدنو منهم فأسمع حتى حفظت قرأناً، وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة، فلما فتحت جعل الرجل يأتيه فيقول يا رسول الله، أنا وافد بني فلان وجئتك بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قدموا أكثركم قرأناً» قالفنظروا وإني لعلى حِواء عظيم، فما وجدوا فيهم أحداً أكثر قرأناً مني، فقدموني وأنا غلام...(رواه أحمد).

ويتساءل الشاب اليوم وهو يرى هذا النموذج، فقد كان هذا الصحابي الشاب -رضي الله عنه- حريصاً على حفظ القرآن وتعلمه، ولم يتح له ما أتيح لنا اليوم من وسائل وإمكانات، فليس أمامه حلقة لتحفيظ القرآن، ولا تسجيلات أو مقرئ متفرغ، بل إن القرآن ليس مجموعاً له في مصحف يقرأه ويحفظ منه، ومع ذلك يبلغ هذا المبلغ رضي الله عنه.

ونلمس الحرص نفسه عند زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فيأتي قومُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم  مفاخرين بما حصَّل صاحبهم، يحدثنا عن ذلك فيقول إن قومه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم  وقال «يا زيد، تعلم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي» قال زيد فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب(رواه البخاري وأحمد).

وآخر أيضاً جاوز العاشرة بقليل وهو البراء بن عازب -رضي الله عنه- يقول« فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى قرأت سوراً من المفصل ».

وعبدالصمد بن عبدالرحمن بن أبي رجاء البلوي (ت 619هـ) روى عن أبيه القرآن تلاوة، وسمع منه عدة كتب، ومات أبوه وله نحو من عشر سنين.

وعلي بن هبة الله الجميزي (ت 649هـ) حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين.

ومجد الدين ابو البركات ابن تيمية (ت 652هـ) حفظ القرآن وتفقه على عمه الخطيب فخر الدين، ثم رحل في صحبة سيف الدين ابن عمه وهو مراهق.

زيد بن الحسن تاج الدين الكندي ت(613هـ)، قرأ القرآن تلقيناً على أبي محمد سبط الخياط وله نحو من سبع سنين وهذا نادر -كما قال الذهبي- وأندر منه أنه قرأ بالروايات العشر وهو ابن عشر حجج.

أبو شامة (ت 665هـ) قرأ القرآن صغيراً، وأكمل القراءات على شيخه السخاوي وعمره سبعة عشر عاماً.

 أبو بكر بن عمر بن مُشَبَّع المِقصّاتي (ت 713هـ) قرأ القرآن وهو دون العشرين.

حمزة بن حبيب الإمام المقرئ (ت 158هـ)، قال عن نفسه «ولدت سنة ثمانين، وأحكمت القراءة ولي  خمس عشرة سنة».

خلف بن هشام بن ثعلب الإمام الحافظ الحجة شيخ الإسلام (ت 229هـ) خرج من بغداد وعمره (19) عاماً لم يخلف فيها أقرأ منه.

مكي بن أبي طالب العلامة المقرئ ولد سنة (355هـ) وقرأ بالقراءات على ابن غلبون سنة (376هـ) أي حين كان عمره (21) سنة.

أبو علي الأهوازي المقرئ المحدث ولد سنة (362هـ) عني من صغره بالروايات والأداء قرأ لقالون سنة (378هـ) أي حين كان عمره (16) سنة.
أبو بكر النقاش المقرئ المفسر أحد الأعلام، المولود سنة (266هـ) عني بالقراءات من صغره، فقرأ على الحسن بن عباس بن أبي مهران الرازي سنة (285) ، وذلك حين كان عمره (19) عاماً.

ومنهم الإمام النووي فقد ذكر عنه شيخه يسين بن يوسف المراكشي قال رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال فأتيت معلمه فوصيته به، وقلت له إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي أمنجم أنت؟ فقلت لا وإنما انطقني الله بذلك، قال فذكر المعلم ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم».

وحين يقف الشاب على مثل هذه النماذج تعلو همته وتزداد، ويسعى للتأسي بهم واللحاق بركبهم، ويشعر أنه حين يقبل على كتاب الله تبارك وتعالى كما أقبلوا يقفز حاجز الزمن ليشعر أنه وإياهم في درب واحد؛ فمن أحب قوماً حشر معهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

ويتساءل حينها أين ما أرى عليه بعض أترابي الذين فتنوا بنجوم اللهو والعبث، وسعوا للتشبث بما هم عليه - مما أنا عليه من التأسي بهؤلاء؟

وصايا لحملة القرآن

الوصية الأولى

ألا سأل أحدكم نفسه هذا السؤال لماذا أحفظ القرآن؟ ألأني صحبت قوماً يحفظون فحفظت معهم؟ أم لأني درست في مدرسة تحفيظ القرآن؟ أم ليقال حافظ؟ أم لأن والدي ألزمني بذلك. فهلا حرصنا على تصحيح النية، واستصحاب الإخلاص لله وحده.

عن إياس بن عامر قال أخذ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بيدي ثم قال«إنك إن بقيت سيقرأ القرآن ثلاثة أصناف، فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدنيا، ومن طلب به أدرك»(أخرجه الدارمي).
الوصية الثانية

إن من أعظم حقوق كتاب الله دوام التلاوة، وتكرار القراءة، وكثيراً ما يصف الله عباده المتقين بأنهم يتلون كتابه حق تلاوته ((إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور)) (فاطر29). ((ليسوا سواءً  من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله ءاناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين. وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين))(آل عمران112-115).

الوصية الثالثة

لقد ضرب لكم النبي صلى الله عليه وسلم  مثلاً بصاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال «تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها»(رواه البخاري)

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه صلى الله عليه وسلم  قال «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت»(رواه البخاري ومسلم). 

فالله الله في تعاهد ما حفظتموه، وإياكم أن تفرطوا بهذه النعمة التي حباكم الله تبارك وتعالى إياها.

الوصية الرابعة

لقد قرأتم في كتاب الله ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته))(ص29) ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها))(محمد24)، فتدبر القرآن والعمل به هو الأساس، وإياكم أن يقف همكم عند مجرد إقامة حروفه.


الوصية الخامسة

يفتن كثير من الشباب بالشهوات، ويخرون صرعى أمام دواعي الفتنة، والإغراء التي عمت وطمت في هذا العصر، أما أنتم فلكم شأن آخر

أحدهم إن أحس فراغاً صار يفكر في شهوته قد شغلته المجلة الهابطة والفيلم الساقط والنظرة الآثمة، وأنت إن وجدت الفراغ قرأت القرآن، فمصحفك في صدرك تتلوه أينما كنت، وهو تتعلق نفسه بفتاة وربما بغلام، وهذا عنوان موت القلب، وعلامة العطب والخذلان عافانا الله وإياكم، أما أنت فتتعلق همتك، ونفسك للاقتداء بأنبياء الله، ومن قص الله عليك قصتهم في كتابه، وهو يفتن بالغانيات من أبناء الدنيا، أما أنت فقد عقدت العزم على خطبة الحور العين الكواعب الأبكار فتأيمت مما حرم الله عليك لتظفر بها في دار البقاء والنعيم.

فكن أيماً مما سواها فإنها     لمثلك في جنات عدن تأيم

الوصية السادسة

لقد رفع الله الناس في هذه الدنيا منازل ورتب ((وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ))(الأنعام165). ((أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً)) (الزخرف32) وها أنتم ترون الناس حولكم وقد حازوا من الدنيا إلى رحالهم ماحازوا الشرف، المال، الجاه، التفوق، وأنتم -شأنكم شأن سائر البشر -قد تمتد أعينكم إلى ماهم فيه، لكنكم حين تتذكرن أنكم قرأتم في كتاب الله وصيته لنبيه ((ولاتمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى)) (طه131) تزهدون بما هم عليه وترضون بمنزلتكم العالية (أهل الله وخاصته).